مجتمع

الفيضانات تكشف هشاشة البرامج التنموية وغياب العدالة المجالية

هسبريس

شدد فاعلون مدنيون وحقوقيون على أن “الفيضانات التي أدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات في آسفي ومناطق مغربية أخرى تكشف اختلالات جسيمة في برامج التنمية”، مسجلين الحاجة إلى “منطق تدبيري يجعل الحق في السلامة والعيش في بيئة آمنة جزءا لا يتجزأ من الحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين، حتى لا تظل المآسي الإنسانية ثمنا متكررا لاختلالات كان من الممكن تفاديها بالإرادة السياسية والتخطيط الجيد”.

واعتبر هؤلاء الفاعلون أن “ما جرى يسائل منطق الحكامة والشفافية في صرف ميزانيات البرامج”، كما يبيّن بوضوح أن “التخطيط والتأهيل الحضريين لا يعتمدان على التطورات العلمية الحديثة التي يشهدها العالم، مثل نظم المعلومات الجغرافية، والذكاء الاصطناعي”، مبرزين أن “هذه الأدوات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في التخطيط الحضري من أجل اعتماد مقاربة استباقية تقي من الكوارث”.

“واقع متردٍّ”

عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال إن الفيضانات المدمّرة التي شهدها المغرب “لا تسمح بالتعامل مع ما وقع باعتباره حوادث طبيعية وكفى؛ فالكوارث البيئية مهما كانت حدتها وقوتها، فإنها لن تسبب هذا الحجم من الخسائر البشرية إذا ما وُجدت أثناء وقوعها بنية قوية تساعد على نجاة الأرواح”، موردا أنه “ما دامت المناطق التي شهدت الفيضانات خلال الساعات الأخيرة قد راكمت سنوات من العبث، فهي بالضرورة ستؤدي ثمن ذلك”.

وتأسف تشيكيطو، في تصريح لهسبريس، لكون “الضحية هو المواطن الضعيف أمام الكوارث”، مشددا على أن “ما وقع مؤشر صارخ على هشاشة فعلية في منطق التنمية الترابية المعتمد، وعلى اختلالات بنيوية تراكمت بفعل ضعف التخطيط، وغياب العدالة المجالية، وقصور سياسات الوقاية وتدبير المخاطر”، فـ”هذه الكوارث كشفت أن عددا من المجالات الترابية ما تزال خارج منطق الاستباق والحماية”.

وانتقد الحقوقي المغربي تدبير هذا الوضع بـ”عقلية ردّ الفعل بدل بناء سياسات عمومية قائمة على التوقّع والنجاعة والإنصاف”، مشيرا إلى أن “ما حدث يطرح أسئلة جوهرية حول مدى إدماج المخاطر المناخية في التخطيط العمراني، وحول جدية تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في ما يتعلق بالبنيات التحتية الهشة، وتدبير مجاري المياه، وحماية الساكنة في المناطق المعرّضة للفيضانات”.

وأكد المتحدث أن “التنمية التي لا تجعل من الإنسان وأمنه وكرامته محورا لها، ولا تستند إلى معطيات علمية واستشرافية، تهدد الحق في الحياة، وتتحول في لحظات الأزمات إلى عبء بدل أن تكون صمام أمان”، مسجلا أن “التوجيهات الملكية الداعية إلى إطلاق برامج جديدة لمعالجة الاختلالات المجالية والاقتصادية والاجتماعية تكتسي أهمية قصوى، لكونها تطرح بوضوح أولوية الانتقال من منطق التدخل الظرفي إلى منطق الإصلاح الهيكلي”.

كما أبرز الفاعل الحقوقي عينه أن “التفاعل مع التوجيهات الملكية لا يمكن أن ينحصر فقط في الإعلان عن برامج جديدة، بل في ضمان نجاعتها وتكاملها، وربطها بتقويم صارم للسياسات السابقة، وبإشراك فعلي للفاعلين المحليين والمجتمع المدني، واعتماد مقاربة ترابية مندمجة تُعلي من الوقاية، وتدبير المخاطر، والتكيّف مع التغيرات المناخية”، خالصا إلى أن “تكرار مثل هذه الكوارث يفرض اليوم وقفة مسؤولة لإعادة النظر في النموذج التنموي الترابي”.

“فساد واضح”

بدوره، قال جمال أقشباب، فاعل مدني ناشط بيئي، إن الفيضانات القوية التي اجتاحت الجنوب الشرقي ومدينة آسفي “لم تُزهق أرواحا فقط، بل قتلت ما تبقى من وهمٍ قديم يُسمّى ‘برامج التنمية’، التي صُرفت عليها مليارات الدراهم من دون أن ينعكس أثرها إيجابا على أرض الواقع وفق مؤشرات ملموسة”، مبرزا أن “أحياءً كاملة غرقت في دقائق معدودة، وانهارت منازل، وخلفت خسائر جسيمة”.

وأضاف أقشباب في تصريح لهسبريس: “لسنا أمام كارثة طبيعية، بل أمام مسؤولية بشرية واضحة اسمها تغوّل الفساد”، معتبرا أن “مدينة آسفي، التي تُعد قطبا صناعيا كبيرا في المغرب، خاصة في مجال الفوسفاط منذ عقود، تعيش رغم ذلك تهميشا وإقصاء غير مبررين”، وتابع: “إنها مدينة عريقة وتاريخية، غير أن ما حدث يجسّد بشكل ملموس حجم الاختلالات، ويثير الكثير من الشكوك حول وجود فساد كبير تتحمل مسؤوليته كلٌّ من السلطات الإقليمية المتعاقبة والمجالس المنتخبة”.

وأبرز المتحدث أن “المشكلة الأساسية تتجلى في ضعف التخطيط الحضري وتأهيل المدن، خصوصا في ما يتعلق ببنية تحتية قوية لتصريف مياه الأمطار والمياه العادمة، إضافة إلى غياب المنشآت الوقائية الكفيلة بحماية المدينة”، موردا أن “ما حدث في مناطق كثيرة بالمغرب ليس حالة معزولة، بل تكرر السنة الماضية في الجنوب الشرقي، ويتكرر هذه السنة أيضا”.

وذكر الفاعل المدني نفسه أن الأمر يُعد من أقوى الحجج الإضافية على “مغرب يسير بسرعتين”، معتبرا أن “هناك مناطق تستفيد من مختلف أشكال التهيئة وبنية تحتية متينة، في حين تعيش مدن ومناطق أخرى الإقصاء والتهميش، والمتضرر الأكبر من هذا الوضع هم سكان هذه المناطق الذين ما زالوا يعانون إلى اليوم”، مشددا على أنه “لا يمكن الاستمرار في إرجاع أسباب هذه الكوارث إلى العوامل المناخية أو التقلبات الجوية وحدها؛ إذ إن المسؤولية الكبرى مسؤولية بشرية مرتبطة بالفساد وتغوّله”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى