النهاية الملتبسة للتعاقد في التعليم..إصلاح حقيقي أم تحايل قانوني؟

هل انتهى التعاقد في التعليم بالمغرب؟ حقيقة الإصلاح أم مجرد تغيير في المسميات؟
ظل سؤال “هل انتهى التعاقد بقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي؟” مطروحًا لسنوات دون إجابة شافية، رغم التصريحات المتتالية للوزارة والنقابات. ومع دخول النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية حيز التنفيذ في 26 فبراير 2024، ازداد الجدل، خصوصًا مع استمرار الفوارق القانونية بين فئات الأطر التربوية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول حقيقة هذا “الإصلاح”. فهل انتهى التعاقد فعلًا؟
ظاهريًا، نص النظام الأساسي الجديد على إنهاء العمل بصيغة “التعاقد”، حيث تم تصنيف أطر الأكاديميات كـ”موظفين”، لكن بالتدقيق القانوني، يتضح أن الوزارة لم تُدمج هؤلاء الأطر في الوظيفة العمومية، بل استبدلت مصطلح “أطر الأكاديميات” بـ”موظفي الأكاديميات”، دون تمكينهم من نفس الحقوق التي يتمتع بها زملاؤهم موظفو الوزارة، وبالتالي صرنا أمام موظفين بنظامين مختلفين!
وتبقى المفارقة الأبرز في هذا النظام الأساسي أنه يطبق على فئتين تحكمهما إطارات قانونية متباينة:
فموظفو الوزارة يخضعون للنظام العام للوظيفة العمومية، يشغلون مناصب مالية قارة، ويتمتعون بحقوق انتقالية وإدارية واسعة. أما موظفو الأكاديميات فيتبعون لمؤسسة عمومية (الأكاديميات)، ويتم تأجيرهم من خلال اعتمادات مالية سنوية، دون الترسيم في الوظيفة العمومية، ما يجعل وضعهم أكثر هشاشة.
ورغم إعلان الوزارة إنهاء التعاقد، بدأت الاختلافات بين الفئتين تتجلى في عدة محطات تؤكد على استمرار الفجوة، أبرزها:
- عدم إمكانية انتقال موظفي الأكاديميات إلى الإدارات العمومية، خلافًا لزملائهم من موظفي الوزارة.
- إقصاؤهم من التوظيف في قطاع التعليم العالي، إذ أن الناجحين في مباريات توظيف الأساتذة المحاضرين من هذه الفئة لم يتم إلحاقهم كموظفين، بعكس موظفي الوزارة.
- التمييز في مسارات الترقية والمباريات المهنية، إذ سيواجه موظفو الأكاديميات تحديات قانونية في استحقاقات مثل: (امتحانات الكفاءة المهنية، الترقية بالاختيار، المباراة المهنية لحاملي الماستر والدكتوراه، توظيف الأساتذة المبرزين).
فهل يمكن اعتبار الأمر بمثابة تلاعب قانوني عبر تغيير المسميات بدل الحقوق؟
بمراجعة القوانين والمراسيم التي خضعت للتعديل، نجد أن جوهر الإصلاح اقتصر على استبدال مصطلح “أطر نظامية” بـ “موظفين”، دون أي تغيير جوهري في الوضعية القانونية. وهذا ما يظهر بوضوح في القانون 00.07 حيث تم تعديل المصطلحات دون أي إدماج حقيقي في الوظيفة العمومية، ومن ثمة يطرح السؤال ملحا -أمام هذا الوضع الملتبس- عما إذا كانت الحقيقة ستنكشف قريبًا؟
من الواضح أن هذه الازدواجية في النظام الأساسي ستصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت، خاصة عند أول اختبار حقيقي في الاستحقاقات المهنية المقبلة، إذ الوزارة، رغم نجاحها في تسويق إنهاء التعاقد، لم تفِ فعليًا بمطلب الإدماج، مما قد يؤدي إلى موجة احتجاجات جديدة عندما تبدأ الفوارق العملية في التأثير على المسار المهني لموظفي الأكاديميات.
صفوة القول أن التعاقد انتهى من الناحية الشكلية، لكنه استمر في جوهره عبر تحايل قانوني جعل موظفي الأكاديميات تحت وضعية وظيفية غير متكافئة مع زملائهم في الوزارة. وبالتالي، فإن المعركة الحقيقية لم تُحسم بعد، وسيكون الاختبار الفعلي لهذا “الإصلاح” عند أول استحقاق مهني يكشف واقع هذه الازدواجية.