مجتمع

إعفاءات واسعة بوزارة برادة.. إصلاح حقيقي أم انتقائية مفضوحة؟ولماذا نجا أضرضور من المحاسبة؟

شهد يوم الثلاثاء 12 مارس الجاري تطورًا غير مسبوق في قطاع التربية والتكوين، حيث أقدم الوزير سعد برادة على إعفاء عدد كبير من المديرين الإقليميين، مستندًا إلى تقارير رسمية كشفت عن اختلالات إدارية ومالية جسيمة. هذه الخطوة، رغم أنها لقيت ترحيبًا مشوبًا بالحذر من طرف نساء ورجال التعليم، إلا أنها لم تخلُ من تساؤلات حول مدى شمولية المحاسبة، وهل ستقتصر على بعض الأسماء دون المساس بالرؤوس الفعلية لشبكات الفساد المتغلغلة في القطاع؟

إن الحديث عن إصلاح منظومة التربية والتكوين يظل رهانًا معلقًا طالما أن بعض الوجوه النافذة، التي رافقت مشاريع إصلاحية فاشلة عبر عدة حكومات، لا تزال في مواقع المسؤولية. ففي كل مرة يتم إعفاء وزراء بسبب فشلهم في تنزيل الإصلاحات، يبقى هؤلاء المسؤولون بمثابة حائط صد أمام أي محاولة جادة للتغيير، مما يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن تحقيق إصلاح حقيقي بأدوات مهترئة ما زالت تعيد إنتاج الفساد داخل المنظومة؟
ورغم التأكيد المتكرر لجلالة الملك، في خطابات رسمية متعددة، على ضرورة النهوض بقطاع التعليم باعتباره ورشًا استراتيجيًا، فإن استمرار نفس النخب في تدبير المشاريع الإصلاحية بشكل انتقائي ومصلحي يفرغ هذه التوجيهات من محتواها، ويحرم المدرسة العمومية من أي تحسن ملموس، بينما تنعكس تلك المشاريع على أرصدة البعض أكثر من أثرها على جودة التعليم.

لا جدال في أن الوزير استند في قرارات الإعفاء إلى تقارير رسمية ذات مصداقية، وهو ما قوبل بارتياح من طرف العاملين بالقطاع. إلا أن المصداقية الحقيقية للإصلاح تتجلى حين تكون المحاسبة شاملة، لا تستثني المحيط القريب للوزير نفسه، خاصة وأن بعض التقارير السابقة رصدت اختلالات جسيمة طالت شخصيات نافذة لم يطلها أي إجراء تأديبي.

ومن بين هذه التقارير، تقرير المفتشية العامة للشؤون الإدارية الصادر بتاريخ 26 مايو 2017، والمُوجّه إلى الوزير حينها تحت رقم 023-01، والذي قام بتقييم أداء بعض مديري الأكاديميات الجهوية في مجال التدبير الإداري والمالي ثبت تورطهم في خروقات تدبيرية جسيمة. ومن بين الأسماء الواردة في التقرير، السيد محمد أضرضور، المدير السابق للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط سلا القنيطرة، والذي خلص التحقيق بشأنه إلى ما يلي:

  • التلاعب في الصفقات العمومية، حيث ثبت تأثيره المباشر على لجنة طلب العروض رقم 5/E/2015 الخاصة بصفقة الحراسة (رقم 23/2015/E)، من خلال ممارسة ضغوط لترسيتها على مقاولة بعينها رغم استحقاق شركات أخرى.
  • عدم احترام المساطر القانونية، من خلال غموض في صياغة دفتر الشروط، مما فتح الباب أمام تأويلات أثرت على شفافية التنافسية بين العروض.
  • المركزية المفرطة في التدبير المالي، عبر سحب تفويض الاعتمادات الميزانياتية من المديرين الإقليميين واعتماد نهج انفرادي في التسيير.
  • تجاوزات إدارية، من بينها تنفيذ صفقات دون تأشيرة مراقب الدولة، وتعثر ملفات أداء مزودي الداخليات والمطاعم المدرسية، مما أثر سلبًا على وضعهم المالي.
  • قرارات تعسفية، مثل توقيف أو إعفاء مسؤولين دون احترام الضوابط الإدارية، وتسريب وثائق إدارية حساسة خارج المنظومة التربوية.

    وبناءً على هذه الاختلالات الخطيرة، أوصى تقرير المفتشية بإنهاء مهام أضرضور على رأس الأكاديمية. إلا أن المفارقة الصادمة أن هذا المسؤول، بدل أن يُعفى، حصل على تمديد في منصبه ثم تولى لاحقًا مديرية الموارد البشرية بالوزارة، وهو ما اعتبره العديد من الفاعلين تكريسًا لسياسة الإفلات من المحاسبة والتلاعب بالتقارير الرسمية بما يخدم المصالح الشخصية والولاءات.
    إن إعفاء المديرين الإقليميين خطوة أولى على طريق الإصلاح، لكنها تظل ناقصة ما لم تشمل جميع المتورطين، بغض النظر عن مواقعهم داخل الوزارة. فإذا كانت التقارير الرسمية تُعتمد لإسقاط بعض المسؤولين، فلماذا يتم تجاهلها حين يتعلق الأمر بأسماء نافذة لها امتدادات داخل دوائر القرار؟
    فهل سيمضي الوزير قدمًا في تنظيف الوزارة من كل بؤر الفساد، دون تمييز بين صغار المسؤولين وكبارهم؟ أم أن قراراته ستظل محصورة في إطار تصفية الحسابات وإعطاء الانطباع بوجود إصلاح دون المساس بالحلقات القوية داخل المنظومة؟

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة… يتبع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى