مجتمع

أمطار أكتوبر.. بين تفاؤل الفلاحين وقلق مناخي متزايد

مع حلول النصف الثاني من أكتوبر، عاد النقاش بقوة إلى الساحة الفلاحية المغربية حول أهمية الأمطار الأولى للموسم، في ظل تصاعد المخاوف من تأخر التساقطات واستمرار الجفاف الذي طبع السنوات الأخيرة. ورغم الأمل الذي لا يزال يراود الفلاحين، إلا أن مؤشرات الطقس الحالية تطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الموسم الفلاحي على الانطلاق في موعده الطبيعي.

أمطار أكتوبر.. أكثر من مجرد ظاهرة مناخية

تحمل أمطار أكتوبر دلالات تتجاوز الجانب المناخي، لتلامس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، كما يوضح عبد الحق الهاشمي، أستاذ الجغرافيا والتنمية الترابية. في حديثه، اعتبر أن هذه التساقطات “مؤشر خاص” لعموم الفلاحين، إذ تحرك عجلة النشاط الزراعي، خصوصاً في المناطق البورية المعتمدة كلياً على الأمطار.

وبحسب الهاشمي، فإن غياب أمطار أكتوبر يخلق حالة من الانتظار والترقب، ويؤثر سلباً على جاهزية الفلاحين للحرث والزرع. الأثر لا يقتصر على المحاصيل، بل يمتد إلى تربية الماشية، حيث يشكّل الكلأ الطبيعي مصدراً أساسياً للعلف، في ظل ضعف الدعم المؤسساتي.

تغير مناخي يعيد رسم خريطة الموسم الفلاحي

من جانبه، يرى محمد بازة، الخبير الدولي في الموارد المائية، أن تقييم الوضع الفلاحي اليوم يجب أن يُقرأ في ضوء التحولات المناخية التي باتت واقعاً لا يمكن تجاهله. ويؤكد أن التغيرات التي شهدها المغرب خلال العقد الأخير فرضت على الفلاحين مراجعة ممارساتهم التقليدية، خاصة ما يتعلق بتوقيت الحرث وزرع البذور.

أبرز ما يشير إليه بازة هو أن “الحرث المبكر” الذي كان يُوصى به في شتنبر، لم يعد مناسباً في كل الحالات، بفعل التفاوت الكبير في مواعيد التساقطات. ومع ذلك، يعتبر أن الأرض المحروثة تظل قادرة على الاستفادة من أولى الأمطار، حتى لو تأخرت نسبياً.

موسم زراعي على حافة القلق

ورغم عدم صدور إعلان رسمي عن بداية الموسم الفلاحي، والذي غالباً ما يتم تحديده من طرف وزارة الفلاحة في منتصف أو نهاية أكتوبر، إلا أن غياب الأمطار حتى الآن يوحي ببداية صعبة، لا سيما في ظل الأزمة المائية المتفاقمة والتربة المتضررة من صيف حار.

الخبراء يُجمعون على أن تأخر انطلاقة الموسم له انعكاسات سلبية واضحة: انخفاض في الإنتاج، ارتفاع في تكاليف الفلاحة، وزيادة الضغط على الماشية والمزارعين، خاصة في ظل غياب بدائل بنيوية حقيقية لمواجهة هذه التغيرات.

بين الأمل والعلم.. فلاحة على وقع الترقب

ورغم التحذيرات، لا يغيب الأمل عن خطاب المختصين والفلاحين. بازة نفسه يؤكد على أهمية “الخبرة والتجربة” في التعامل مع تقلبات الطقس، مشيراً إلى أن الفلاحة ليست علماً دقيقاً بالكامل، ما يترك هامشاً للتفاؤل بإمكانية تحسن الأوضاع خلال ما تبقى من أكتوبر.

ومع ذلك، تبقى المعادلة صعبة: فالزمن المناخي لم يعد كما كان، والموسم الفلاحي بات مرهوناً بقرارات دقيقة ومبنية على تحليل علمي للمخاطر، بعيداً عن الرهان الأعمى على الحظ أو انتظار المطر كقدر محتوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى