هل خسر هشام المهاجري الوسط الحضري ولجأ إلى “أهل الجبل”؟

يلاحظ المتتبع للشأن السياسي المحلي خلال الآونة الأخيرة تحوّلاً لافتاً في تحركات وخطاب البرلماني هشام المهاجري، تحوّلٌ يثير أكثر من علامة استفهام حول وجهته الانتخابية الجديدة، وخياراته في مخاطبة الناخبين. فبعد سنوات من الحضور القوي داخل الوسط الحضري، يبدو أن هذا الأخير لم يعد يشكل الخزان الانتخابي المفضل كما كان في السابق، ما يفتح الباب أمام سؤال مركزي: هل فقد المهاجري بريقه داخل المدن، فاتجه نحو المناطق الجبلية والنائية بحثاً عن إعادة تثبيت نفوذه؟
الوسط الحضري، بطبيعته، أكثر احتكاكاً بالنقاش العمومي، وأكثر حساسية تجاه الأداء السياسي والبرلماني، كما أنه يميل إلى محاسبة ممثليه بناءً على الحصيلة والقدرة على الترافع والإقناع. وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أن جزءاً من هذا الناخب الحضري أصبح أقل حماسة للخطاب الشعبوي، وأكثر ميلاً إلى مساءلة الوعود غير المنجزة، وهو ما قد يفسر تراجع الحضور السياسي لبعض الوجوه داخل المدن.
في المقابل، يبرز توجّه متزايد نحو المناطق الجبلية والنائية، حيث ما تزال الهشاشة الاجتماعية، وضعف التأطير السياسي، وغياب النقاش العمومي المنظم، عوامل تجعل هذه المجالات أكثر قابلية للاستقطاب الانتخابي المباشر. فهل يتعلق الأمر، إذن، بخيار سياسي واعٍ يهدف إلى بسط النفوذ داخل مجالات لا يصل إليها الخصوم بسهولة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه قراءة براغماتية لخريطة انتخابية متغيرة؟
اللافت أن الخطاب الموجّه إلى “أهل الجبل” غالباً ما يركّز على القرب العاطفي، واستحضار التهميش التاريخي، دون أن يصاحبه في كثير من الأحيان تصور واضح للتنمية أو برامج واقعية قابلة للتنفيذ. وهو ما يطرح إشكالية أخلاقية وسياسية في آن واحد: هل يتم الاستثمار في ضعف التكوين السياسي لهذه الفئات بدل العمل على تمكينها وتأطيرها؟
إن الرهان الحقيقي لأي فاعل سياسي لا ينبغي أن يكون في البحث عن أسهل الأصوات، بل في كسب ثقة الناخبين على أساس مشروع واضح، وحصيلة قابلة للتقييم، وخطاب يحترم ذكاء المواطن، سواء كان في المدينة أو في الجبل. فالديمقراطية لا تُقاس بامتداد النفوذ الجغرافي، بل بعمق الوعي السياسي الذي يُسهم فيه المنتخبون.
وفي انتظار ما ستفرزه الاستحقاقات المقبلة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نحن أمام إعادة تموقع انتخابي ظرفي، أم أمام استراتيجية طويلة الأمد لإعادة رسم موازين القوة السياسية انطلاقاً من الهوامش؟







