مجتمع

حين يُواجَه التضامن بالقمع: أسفي بين منطق الأمن وحق الاحتجاج

لم تكن الوقفات الاحتجاجية التي دعت إليها فعاليات مدنية وحقوقية بمدينة آسفي، تضامنًا مع ضحايا الفيضانات الأخيرة، سوى تعبير سلمي عن غضب مشروع وحزن جماعي على أرواح أُزهقت وممتلكات دُمّرت، في ظل أسئلة عالقة حول المسؤولية والتدبير والاستجابة. غير أن هذا الصوت المدني لم يُقابل بالإنصات، بقدر ما وُوجه بتدخل أمني وُصف من قبل عدد من المشاركين والهيئات بالقمعي والمُضيّق على حق دستوري أصيل.
فبدل أن تتحول الوقفات إلى مساحة رمزية لمواساة المتضررين والتعبير عن مطالب إنسانية عاجلة، سادت مشاهد المنع والتطويق والتدخل، ما أعاد إلى الواجهة نقاشًا قديمًا حول حدود المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية، خاصة عندما تكون مرتبطة بمآسٍ إنسانية لا تحتمل مزيدًا من الصمت أو التجاهل.
الأكثر إثارة للقلق، ما صرّحت به مجموعة “الشارك” من تعرض عناصرها، بحسب ادعائها، لأشكال من الترهيب والضغط المسبق، في محاولة لدفعها إلى العدول عن تنظيم الوقفة التضامنية. وهي اتهامات، إن صحت، تطرح تساؤلات خطيرة حول مناخ الحريات العامة، وحول مدى احترام الحق في التنظيم والتعبير، الذي يفترض أن يُصان لا أن يُفرغ من مضمونه عبر أساليب غير معلنة.
إن التعامل الأمني الصارم مع وقفات تضامنية، في سياق كارثة طبيعية خلّفت ضحايا ومآسي، لا يخدم صورة المؤسسات ولا يساهم في تهدئة الاحتقان، بل قد يزيد من تعميق فجوة الثقة بين المواطن والسلطة. فالأمن، في جوهره، ليس نقيضًا للاحتجاج السلمي، بل شريكًا في حمايته وتأطيره، ما دام التعبير يتم في إطار القانون والسلمية.
أسفي اليوم لا تحتاج إلى مزيد من العصي ولا إلى تطويق الأصوات، بل إلى مكاشفة، ومحاسبة، وقرارات شجاعة تُنصف الضحايا وتعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية. فالتضامن ليس جريمة، والاحتجاج السلمي ليس تهديدًا، بل هو مرآة تعكس اختلالاتٍ آن أوان تصحيحها، بدل كسرها بالقوة أو إسكاتها بالترهيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى