ما الذي حققه المغرب من التطبيع ؟ خمـس سنـــوات كاملة على استئناف العـــلاقات بيــن المغـــرب وإســـــرائيل

عن هسبريس
بمرور خمس سنوات على استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، يعود الجدل حول هذا القرار الذي يُعد من أكثر المحطات الدبلوماسية حساسية في تاريخ السياسة الخارجية المغربية الحديثة. فقد شكّل هذا الاختيار اختبارًا دقيقًا لقدرة المملكة على التوفيق بين ثوابتها التاريخية، وفي مقدمتها دعم القضية الفلسطينية، وبين متطلبات التموضع الاستراتيجي داخل نظام دولي وإقليمي سريع التحول تحكمه منطق المصالح وتوازنات الأمن والنفوذ.
ويرى متابعون أن قرار استئناف العلاقات لم يكن اندفاعًا غير محسوب أو رضوخًا لإملاءات خارجية، بل تعبيرًا عن اختيار سيادي نابع من قراءة عميقة للتحولات الجيوسياسية، وسعي لإعادة ترتيب موقع المغرب داخل خارطة التأثير الإقليمي، دون المساس بجوهر التزامه التاريخي تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يؤكد باحثون في الشؤون الاستراتيجية أن الرباط اعتمدت مقاربة مركّبة تقوم على التمييز بين الثوابت والمتغيرات، وبين المبادئ والآليات، معتبرين أن التطبيع لم يُطرح كخيار أيديولوجي، بل كأداة ضمن رؤية شاملة للأمن القومي والمكانة الدولية. كما تم تدبير هذا الملف بمنطق “السياسة الهادئة” التي تجنّبت الاستفزاز الداخلي، واعتمدت خطابًا مؤسساتيًا متزنًا حافظ على دعم القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته وسّع هامش الحركة الدبلوماسية للمملكة.
ويبرز المتحدثون أن المغرب اعتمد فصلًا وظيفيًا بين مسار العلاقات الثنائية مع إسرائيل، التي أُدرجت في إطار براغماتي، وبين القضية الفلسطينية التي ظلّت مؤطرة بثوابت دستورية وروحية، يتصدرها الدور الخاص للملك محمد السادس بصفته رئيس لجنة القدس، وهو ما مكّن المملكة من الحفاظ على مصداقيتها عربيًا وإسلاميًا، وتعزيز قدرتها على لعب أدوار الوساطة والتهدئة.
من جهة أخرى، يرى محللون سياسيون أن اتخاذ هذا القرار تطلّب دراسة معمقة لانعكاساته السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن العقل الاستراتيجي المغربي تعامل معه بحكمة قائمة على الاستقلالية في القرار الوطني، وتحييد محاولات توظيف القضايا القومية للضغط أو الابتزاز الجيوسياسي. وقد أتاح ذلك للمغرب صياغة تحالفاته وفق منطق الندية والمصلحة المتبادلة، مع تحصين أمنه القومي من التدخلات الإقليمية.
ويؤكد هؤلاء أن الدور التاريخي للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية المقدسات في القدس لم يتراجع، بل ظل ركيزة أساسية في سياسته الخارجية، في إطار دبلوماسية تقوم على الوضوح والشرعية الأخلاقية، وترفض تحويل القضايا العادلة إلى أدوات للمزايدة أو الاستثمار السياسي. وخلصوا إلى أن العلاقات المغربية-الإسرائيلية تندرج ضمن مسار دبلوماسي متزن، يعكس قدرة المملكة على التوفيق بين الواقعية السياسية والثوابت التاريخية، وعلى استيعاب التفاعلات المجتمعية في إطار الهوية المغربية المتعددة الروافد.






