لماذا فشلت تدابير الحكومية في زيادة معدلات المواليد؟
عادت الأزمة الديمغرافية في روسيا لتتصدر المشهد، حيث أصدرت الجهات المختصة تحذيرات جديدة بشأن استمرار الأزمة رغم التدابير الحكومية المقررة لمواجهتها، والتي تُعد من أبرز التحديات التي تواجهها البلاد حاليًا.
وأصدرت عدة مؤسسات حكومية ومدنية تقارير تُبرز عدم فعالية الإجراءات الحالية، داعيةً إلى إعادة النظر فيها. ومن بين هذه المؤسسات مركز “التحليل والتنبؤ بعمليات الاقتصاد الكلي” الذي يرأسه ديمتري بيلوسوف، شقيق وزير الدفاع أندريه بيلوسوف. وقد نشر المركز تقريرًا بعنوان “السياسة الديمغرافية: خريطة الفجوة بين السياسة والعمليات”، حيث خلص إلى أن الحكومة تنفق موارد ضخمة لرفع معدل المواليد دون تحقيق النتائج المرجوة.
وفقًا للتقرير، وُلد في روسيا مليون و264 ألف طفل في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 1999. ومن المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إلى 1.14 مليون بحلول عام 2027. كما سجل معدل الخصوبة الإجمالي 1.41 نقطة في 2023، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب لتجديد السكان، الذي ينبغي أن يكون 2.1 نقطة.
من جهتها، أشارت نينا أوستانينا، رئيسة لجنة مجلس الدوما لحماية الأسرة، إلى أن الوضع الديمغرافي قد تدهور بسبب “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، التي أدت إلى إرسال مئات الآلاف من الجنود إلى الجبهة.
في منطقة شمال القوقاز، فقط، سجل معدل المواليد زيادة بنسبة 4.5%، وهو أمر معتاد في هذه المناطق ذات الأغلبية المسلمة. في المقابل، تشهد المدن الكبرى في روسيا ارتفاعًا في نسبة الأسر التي لا تنجب أطفالاً، ما يعكس تزايد حالات الطلاق ونقص في معدلات المواليد.
تشير التقارير إلى أن الانخفاض السكاني بلغ حوالي 282 ألف نسمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024، مع فقدان موسكو 45 ألف شخص، وهو أكثر مما فقدته في نفس الفترة من العام الماضي. في مايو/أيار من العام الجاري، انخفض عدد المواليد بنسبة 0.1%، في حين ارتفع عدد الوفيات بنسبة 4.8%. وقد سجلت حالات الطلاق زيادة بنسبة 3.5% مقارنةً بالزواج.
وفي عام 2019، أوصى الرئيس فلاديمير بوتين الحكومة بتحقيق أهداف التنمية الوطنية حتى عام 2024، بما في ذلك ضمان النمو الطبيعي المستدام للسكان وزيادة متوسط العمر إلى 80 سنة بحلول عام 2030.
يعتبر الباحث في الشؤون الاجتماعية فلاديمير كوشول أن القدرات المالية تلعب دورًا رئيسيًا في قرار إنجاب الأطفال. كما يشير إلى أن توافر الرعاية الطبية وجودتها والرغبة في إنجاب الأطفال تلعب دورًا أيضًا، ولكن الدعم الحكومي للأسر غير كافٍ لزيادة معدلات الإنجاب. يقترح كوشول إعادة ترتيب تدابير دعم الديمغرافيا حسب منطقة الإقامة، لتمييزها بين الزراعية والصناعية وما بعد الصناعية.
من جانبها، ترى الباحثة الاجتماعية لاورا زايتسيفا أن استمرار انخفاض عدد السكان للعام التاسع على التوالي يثير قلقًا كبيرًا. وتعتقد أن فشل خطة رفع معدلات الولادة يعود إلى تركيز الإجراءات الحكومية على الجوانب المادية فقط، دون الاهتمام بالجوانب الروحية والقيمية. تشدد زايتسيفا على ضرورة تحسين نوعية الحياة، وتسهيل الجمع بين العمل وتربية الأطفال، وتغيير موقف الدولة والمجتمع تجاه الأسر الكبيرة. كما تشير إلى الحاجة إلى إصلاح أنظمة التقاعد والرعاية الصحية، مع التركيز على تحقيق التوازن بين نسبة السكان في سن العمل والهجرة البديلة.
وفقًا للدراسات، من المتوقع أن ينخفض عدد سكان روسيا إلى ما بين 135 و145 مليون نسمة بحلول عام 2050، مما يستدعي اتخاذ خطوات عاجلة لزيادة معدلات المواليد والحد من ارتفاع نسب الوفيات.