تحريف وقائع قضية قـ.ـتـ.ـل يجر قاضيًا إلى التوقيف واتهامات بالرشوة من عائلة الضحية
المجلس الأعلى للسلطة القضائية يوقف قاضي تحقيق بتهمة تحوير وقائع قضية وفاة شخص
أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية حكمًا يقضي بتوقيف قاضي تحقيق في إحدى محاكم الاستئناف بالمملكة لمدة ستة أشهر مع نقله إلى وظيفة أخرى. القرار جاء على خلفية تورط القاضي في “تحوير وقائع قضية” تتعلق بوفاة شخص في 15 أكتوبر 2017.
تفاصيل القضية
تعود وقائع القضية إلى شكاية تقدم بها ذوو حقوق الهالك، الذين ادعوا أن ابنهم تعرض للقتل مطالبين بالتحقيق في ملابسات وفاته، معربين عن شكوكهم حول وجود تلاعب في القضية نتيجة علاقات الجاني النافذة. بعد التحقيقات، تبين أن المتهم قام بالاعتداء على الضحية باستخدام آلة حادة مما أدى إلى وفاته. في البداية، حاول المتهم إخفاء الجريمة عبر التظاهر بأنها حادث سير.
وفي 11 يونيو 2024، أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مقررًا يقضي بتوقيف قاضي التحقيق بعد أن أُحيلت إليه القضية في مرحلة التحقيق الإعدادي. وفقًا لشكاية تقدم بها ذوو حقوق الهالك، تلقى القاضي رشوة تقدر بـ100 مليون سنتيم لتحوير مسار التحقيق. حيث قام القاضي بإعادة تكييف التهمة من “جناية الضرب والجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه” إلى “جنحة التسبب عمداً في حادثة سير مميتة”، وقرر إحالة الملف إلى المحكمة الابتدائية للاختصاص.
شكاية التظلم والتفاصيل الجديدة
في شكاية التظلم التي قدمها محامي ذوي حقوق الهالك، أشار إلى أن القاتل كان يملك علاقات نافذة أثرت على مسار التحقيق. بعد أن أكمل التحقيق مع الجاني، تبين أن القاتل اعترف بتوجيه ضربات عنيفة للضحية بواسطة آلة حادة، ومن ثم قام بمحاولة تغيير معالم الجريمة من خلال التظاهر بأنها حادث سير.
وبعد إجراء الأبحاث، تأكدت الشرطة من أن المتهم قد حاول إخفاء الجريمة، حيث تبين أن سيارته لم تحتوي على أي آثار حادث كما أن مكان الحادث المزعوم لم يظهر عليه أي آثار تدل على وقوعه. كما عُثر على بقع دم الضحية على ملابس المتهم. عند مواجهته بهذه الأدلة، تراجع عن تصريحاته الأولية وأكد أنه ضرب الضحية الذي سقط أرضًا على رأسه.
أضافت الشكاية أيضًا أن المتهم اعترف للضابطة القضائية عند إعادة تمثيل الجريمة أنه ضرب الضحية وأغشي عليه، ثم حمله ونقله إلى مكان آخر. كما أنه بعد إحالته على النيابة العامة، طلبت الأخيرة إجراء تحقيق إعدادي بتهم “جناية الضرب والجرح بواسطة السلاح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، وتغيير معالم الجريمة، وإهانة الضابطة القضائية بتقديم بلاغ كاذب”.
تحقيق المفتشية العامة والتقرير النهائي
من خلال التحقيق الذي أجرته المفتشية العامة للشؤون القضائية، تم الكشف عن “اختلالات” في تعامل قاضي التحقيق مع القضية. حيث تبين أنه لم يراعِ الأدلة والقرائن التي تثبت تورط المتهم في جريمة القتل. كما أن القاضي تجاهل أقوال المتهم التمهيدية التي اعترف فيها باستخدام آلة حادة في الاعتداء على الضحية، فضلاً عن بقع الدم على ملابسه، بالإضافة إلى تقرير التشريح الطبي.
في مفاجأة أخرى، تبين أن قاضي التحقيق أصدر أمرًا بإطلاق سراح المتهم بشكل مؤقت، رغم خطورة الجريمة المرتكبة. وقد برر القاضي قراره بتراجع المتهم عن اعترافاته الأولية. ومع ذلك، اعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية هذا التبرير غير مقنع في ظل وجود الأدلة القاطعة.
قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية
أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية حكمًا يقضي بتوقيف قاضي التحقيق لمدة ستة أشهر مع نقله، مؤكدًا أن القاضي قد أخل بواجب الكفاءة والاجتهاد، وافتقر إلى تطبيق القانون بعدالة وإنصاف. كما اعتبر المجلس أن القاضي قد تحايل على الحقائق، وحاول تحوير وقائع القضية دون مبرر قانوني، مما يعد إخلالًا بالواجب المهني.
وأكد المجلس الأعلى أن القاضي ملزم بتطبيق واجباته المهنية بكل إخلاص وتفانٍ، وأي إخلال من جانبه بهذه الواجبات يشكل خطأ مهنيًا يستدعي المساءلة التأديبية.
هذا القرار يعكس التزام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمكافحة الفساد داخل القطاع القضائي، ويُعد بمثابة رسالة قوية لجميع القضاة بضرورة الحفاظ على نزاهتهم وحيادهم في أداء واجبهم، وتطبيق القانون دون أي تأثيرات خارجية.