اقتصاد

300 مليون درهم خسائر المغرب بسبب هجرة الكفاءات

كشف والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، خلال المنتدى الـ23 للاستقرار المالي الإسلامي، عن أحد أبرز التحديات التي تعرقل تقدم الاقتصاد الوطني، والمتمثل في النزيف المستمر للكفاءات المؤهلة، خاصة في مجالي التكنولوجيا والمالية، حيث ضرب مثالاً بخسارة بنك المغرب لنحو 20 مهندساً سنوياً لصالح أسواق العمل الخارجية.

وأكد الجواهري أن المشكل الحقيقي لا يتعلق بضعف التكنولوجيا أو نقص الدعم الدولي، بل في غياب الكفاءات المختصة القادرة على تنزيل هذه التكنولوجيا بشكل فعّال، مشيراً إلى أن المؤسسات الدولية لا تبخل على المغرب بالتعاون التقني، لكن عند المرور إلى التطبيق، تظهر فجوة العنصر البشري بشكل جلي.

في السياق ذاته، أوضح الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أن هذا التحذير يعكس أزمة بنيوية يعيشها المغرب منذ سنوات، تتمثل في اختلال العلاقة بين تكوين الكفاءات وسوق الشغل المحلي. فرغم الجهود المبذولة منذ أوائل الألفية لرفع أعداد المهندسين والخريجين التقنيين، إلا أن نسبة كبيرة منهم تجد نفسها أمام آفاق محدودة محلياً، ما يدفعهم للبحث عن فرص أفضل بالخارج.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المغرب يُكوّن سنوياً ما بين 11 ألفاً و24 ألف مهندس وتقني، منهم حوالي 42% نساء، غير أن معدل البطالة في صفوف المهندسين الشباب يتجاوز 17.9%. في المقابل، تعاني المقاولات المغربية، بما فيها الكبرى، من ضعف في القدرة على استقطاب هذه الكفاءات، بسبب ضعف الأجور، وقلة مشاريع البحث والتطوير، وغياب بيئة اقتصادية محفّزة.

ويخسر المغرب سنوياً ما بين 2700 و3700 مهندس، إضافة إلى آلاف المبرمجين والمهنيين في قطاع التكنولوجيا، الذين يتجه أغلبهم إلى دول مثل ألمانيا، فرنسا، كندا، الولايات المتحدة، حيث تُقدم لهم شروط عمل وتحفيزات مادية أفضل بكثير مما هو متاح داخل المغرب.

ووفق الفينة، فإن هذه الظاهرة لا تقتصر على الخسارة المالية الناتجة عن تكلفة التكوين، التي تتراوح بين 50 و100 ألف درهم للمهندس الواحد، بل تمتد إلى ضياع فرص النمو والإنتاج والابتكار الوطني، مما يضعف قدرة البلاد على التنافسية في ميادين التكنولوجيا والصناعة.

وأشار إلى أن الحل لا يكمن في منع الهجرة بالقوة أو الاكتفاء بالخطابات، بل في بناء بيئة اقتصادية حقيقية قائمة على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، عبر إطلاق مشاريع صناعية وتكنولوجية كبرى، وربط الدعم العمومي للمقاولات بمؤشرات توظيف المهندسين المحليين، وتفعيل برامج لاستثمار خبرات الجالية المغربية الكفؤة بالخارج.

وفي ظل تصاعد التحذيرات من نزيف الأدمغة، تبقى الحاجة ملحّة، حسب المتخصصين، لوضع سياسة وطنية واقعية تجعل من المغرب بيئة جاذبة لكفاءاته، بدل أن يتحول إلى مركز لتكوين الأطر لفائدة أسواق العمل الأجنبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى