مجتمع

ملفات سوداء في وزارة التعليم وفضائح موثقة..فهل يمتلك الوزير برادة الجرأة لإنفاذ القانون وترتيب الجزاءات؟

قبل العودة إلى تفاصيل قضية قيل وكتب وروي عنها الكثير، من الضروري طرح السؤال الجوهري التالي: من يتستر على الاختلالات الجسيمة التي ارتكبها المدير الحالي للموارد البشرية عندما كان يشغل منصب مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط-سلا-القنيطرة؟ وهل لدى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة القدرة والإرادة لتفعيل القانون وترتيب الجزاءات في حق كل من ثبت تورطهم في سوء التدبير أو في المساس بالمال العام؟ أم إن “صقور الوزارة” سيظلون بمنأى عن أية مساءلة، لأن لهم من يحميهم، حتى ضدا على إرادة الوزير نفسه، وربما حتى رئيس الحكومة؟
مناسبة هذا الكلام، أنه في شهر ماي من سنة 2017، رفعت المفتشية العامة للشؤون الإدارية تقريرًا مفصلًا إلى وزير التربية الوطنية آنذاك، تضمن توصيات بإعفاء عدد من المسؤولين، من بينهم مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط-سلا-القنيطرة. السبب؟ تجاوزات جسيمة شابت تدبيره، خاصة في ما يتعلق بالصفقات العمومية، حيث تم تسجيل تدخله المباشر في توجيه نتائج طلبات العروض، والتأثير على أعضاء اللجان لإسناد صفقات لمقاولات بعينها، رغم أن مقاولات أخرى كانت قد حصلت على التنقيط الأفضل في التقييم الأولي.
ومن بين النماذج الصارخة لهذه الخروقات، طلب العروض رقم 5/1/2015، حيث مورست ضغوط على أعضاء لجنة التقييم لتغيير نتائج تقييمهم لصالح مقاولة معينة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عرفت مرحلة تدبير هذا المسؤول عدة خروقات أخرى، من بينها إبرام صفقات دون التأشير المسبق لمراقب الدولة، والتأخير غير المبرر في أداء مستحقات المزودين، مما أحدث ارتباكًا إداريًا وماليًا داخل الأكاديمية.
تجاوزات هذا المسؤول فوق العادة لم تقتصر على الجانب المالي والإداري فقط، بل امتدت إلى إعفاءات وتوقيفات عشوائية استهدفت عددًا من المسؤولين بالأكاديمية، دون احترام الضوابط القانونية، وجل هذه القرارات تم الطعن فيها أمام القضاء الإداري، الذي ألغى معظمها لعدم مشروعيتها، وهو ما يثير التساؤلات حول الأسس التي استند إليها المدير السابق في اتخاذها.
اليوم، وبعد سنوات من هذه الوقائع، يبقى السؤال معلقًا: هل سيفعل الوزير صلاحياته لوضع حد لهذه التجاوزات، وترتيب الجزاءات القانونية في حق المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في تقارير رسمية تتهمهم بسوء التدبير؟ أم إن “صقور الوزارة” ممن لديهم “خالاتهم في العرس” والذين راكموا الإخفاقات طيلة السنوات الماضية سيظلون بمنأى عن أية مساءلة، لأن لهم من يحميهم داخل دواليب السلطة، ضدا على إرادة الوزير، بل وحتى ضدا على رئيس الحكومة نفسه؟
إن إصلاح منظومة التربية والتكوين يبدأ أولًا بوضع حد للإفلات من العقاب، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا تتحول التقارير الرسمية إلى مجرد أوراق بلا قيمة، لا يتعدى مصيرها رفوف الأرشيف!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى