مجتمع

الوزير برادة مستخفا بذاكرة الرأي العام، يعيد تدوير قرارات سلفه بنموسى ويستعرضها كإنجاز جديد… عقود المدارس الخاصة نموذجا!

مرة أخرى، يخرج علينا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بابتسامة المنتصر ليزف إلينا ما اعتبره “فتحا تربويا مبينا”: عقود مكتوبة بين المدارس الخصوصية والأسر، تضمن منع الطرد وسط السنة الدراسية، وتحدد التزامات الطرفين!
هنيئا لنا، أيها الوزير، على هذا الكشف العظيم… فقط، هناك مشكل بسيط سبقك إليه الوزير السابق، شكيب بنموسى، منذ شتنبر 2023!
نعم، لا نحتاج إلى حفريات أثرية ولا إلى جهاز كشف الكذب، إذ يكفي العودة إلى المذكرة الوزارية رقم 0984/23 المؤرخة بـ02 أكتوبر 2023، التي جاءت تتويجا لتوقيع رسمي حضره بنموسى بنفسه يوم 08 شتنبر من نفس السنة. بل إن التغطيات الإعلامية، ومنها مقال “تربية ماروك”، وثقت بالصوت والصورة لتلك المراسيم. عقد وقع بمباركة ممثلي الأسر، وممثلي المؤسسات الخاصة، وتم الإعلان عن الشروع في تنفيذه ابتداء من الدخول المدرسي 2023/2024.

واستنادا إلى موقع “أخبارنا.كوم” فقد صرح محمد الحنصالي، رئيس رابطة التعليم الخاص بالمغرب، بأن “العقد النموذجي” تم إعداده منذ سنة 2023، لكنه لم يفعّل رسميا إلى اليوم، مشيرا إلى أن هذا العقد جاء استجابة للنقاش المجتمعي الواسع الذي يتجدد مع كل دخول مدرسي.

فماذا يفعل برادة اليوم؟ هل يجهل ما جرى في وزارته؟ أم أنه يمارس نوعا من “تبييض السياسات القديمة” ليغلفها بورق السلوفان البلاغي ويقدمها كإنجازاته؟ أم أنه اكتشف، بعد سبعة أشهر في الوزارة، أن هناك عقدا كان قد طبخ ونفذ دون علمه، فقرر ركوب موجته بعد أن أصبح أمواجا فوق رؤوس الأشهاد؟
الوزير برادة، في جلسة رسمية يوم 13 ماي الجاري، وأمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بشر الأسر المغربية بأن الوزارة ستحدث “عقودا مكتوبة” و”تمنع الطرد من المدارس” و”تراقب الرسوم”. أليس هذا مضحكا؟ بل ومبك في الآن ذاته.
فما الذي تغير أصلا؟ لا جديد تحت شمس برادة إلا الصياغة اللغوية وإعادة تقديم نفس الطبق البارد بلغة “الإجراء الجديد”!
والأدهى أن الوزير يتحدث عن هذه “البشارة” وكأنها تنزلت عليه في لحظة وحي داخل قبة البرلمان، بينما مذكرات وزارته تئن تحت وطأة التاريخ القريب، والمقالات الصحفية ما تزال على الإنترنت لمن شاء التحقق.
فهل نعيش موسما جديدا من “التسويق الوزاري الكاذب”؟
هل بات الكذب المؤسسي سلوكا عاديا يمارسه المسؤولون بلا حرج؟
ثم من سيحاسب وزيرا يستولي على منجزات غيره ويبيعها للرأي العام بوصفها اختراعا تربويا فريدا؟
إنه التهريج السياسي في أبهى صوره؛ وزير يضع قناع الإصلاح على وجه الماضي، ويتفنن في بيع الوهم لآباء وأمهات التلاميذ الذين لا يزالون يذوقون مرارة الطرد والإهانة في بعض المؤسسات الخاصة بسبب خلافات مالية تافهة.
وما يزيد الطين بلة، أن الوزير يربت على كتف نفسه بفخر ويستعرض أرقاما ضخمة عن “مدارس الريادة” و”ملايين المستفيدين”، وكأن الأرقام تعفيه من قول الحقيقة، أو تحجب عنا ضحالة التصور السياسي وضعف الجرأة على الاعتراف بالواقع.
الرسالة واضحة؛ نحن أمام وزير يتقن فن الإخراج الرديء للقرارات المعادة، ويهوى إعادة تدوير منجزات غيره، دون خجل أو تحفظ.
فليعذرنا الوزير، لكن المغاربة ليسوا بهذا القدر من السذاجة…
وإذا كان لا يقرأ مذكرات وزارته، فنحن نقرأ!
وإذا كان لا يواكب ما وقعه سلفه، فنحن نحتفظ بالأرشيف!
وإذا كان يظن أن ذاكرة الرأي العام قصيرة، فنحن هنا لننعشها… بنار الحقيقة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى