مجتمع

“اللجنة التقنية” في مفاوضات وزارة برادة..إطار للنقاش أم وسيلة للالتفاف؟

إن المتتبع لمسار الحوار القطاعي الاجتماعي بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة يجد نفسه أمام مشهد أقرب إلى مسلسل درامي، حيث تتلاحق حلقاته بتشويق مثير، لكن دون حبكة واضحة أو نهاية منتظرة، فكل جولة تفاوضية تفرز تساؤلات أكثر مما تقدم أجوبة، تاركة الشغيلة التعليمية في حالة انتظار دائم، متشبثة بأمل قد يتحقق أو قد يتلاشى مع الحلقة القادمة.

الحلقة الأحدث من هذا المسلسل عُرضت يوم الخميس 27 فبراير 2025، لكنها جاءت بمفاجآت غير متوقعة، إذ دخل إلى المشهد أبطال جدد؛ المفتشون العامون، المديرون العامون، مديرون مركزيون، بالإضافة إلى الكاتب العام ومدير الموارد البشرية ومدير الشؤون القانونية والمنازعات، حضور كل هؤلاء لم يكن عادياً، بل طرح أسئلة جوهرية عن مشروعية هذا التوسع غير المسبوق في تركيبة اللجنة المحاورة التي يطرح معها السؤال عما إذا كان الأمر يتعلق بفوضى تمثيلية أم تجاوز للضوابط؟
فأول ما يلفت الانتباه في هذا الاجتماع هو أن المذكرة الوزارية المتعلقة بالعلاقة مع النقابات تحدد بدقة تركيبة اللجنة المركزية للحوار القطاعي، ولا تشمل كل هذه الأسماء التي حضرت الاجتماع، وبالتالي يتساءل متتبعون عما إن كانت الوزارة قد قررت خرق قواعدها الداخلية وإعادة تشكيل اللجنة وفق أهوائها؟ أم إن الأمر في حقيقته محاولة للالتفاف على المسار التفاوضي بإغراق طاولة الحوار بأطراف قد تعقد النقاش أكثر مما تسهم في إيجاد الحلول؟
ثاني الملاحظات، وهي الأخطر، تتعلق بحضور المفتشين العامين للوزارة، وهو تطور يحمل في طياته دلالات خطيرة، لكون هذين المسؤولين يفترض أن يظلا بمنأى عن أي تجاذبات سياسية أو نقابية بحكم طبيعة مهامهما الرقابية، لكن الوزارة قررت -لسبب غير مفهوم- أن تزج بهما في خضم مفاوضات يفترض أن تكون محصورة بين الإدارة المركزية والشركاء الاجتماعيين.

فهل يمكن اعتبار هذا الزيغ بمثابة إقرار ضمني بأن الوزارة تفتقر إلى آليات التواصل الداخلي، وأنها لم تعد قادرة على ضبط إيقاع التفاوض داخل هياكلها قبل عرضه على النقابات؟
تساؤل آخر لا يقل أهمية عن التساؤلات السابقة يتعلق بمديرية الشؤون القانونية والمنازعات؛ فما موقعها يا ترى مما يحدث؟
فإذا كان الحوار الاجتماعي القطاعي يرتكز على إطار قانوني واضح، فإن مديرية الشؤون القانونية والمنازعات يفترض أن تلعب دوراً محورياً في ضبط مساره، من خلال تجميع الملاحظات القانونية للمديريات المختلفة وتقديم تأطير واضح للمواقف الوزارية.

لكن الواقع يظهر عكس ذلك، إذ يبدو أن هذه المديرية عاجزة عن القيام بدورها أو أنها تم تهميشها لصالح فوضى إدارية تجعل من كل اجتماع محطة جديدة لإعادة النقاش من نقطة الصفر. فهل هو عبث أم مضيعة للوقت؟ خاصة وأن ما نشهده اليوم ليس حواراً قطاعياً بقدر ما هو استنزاف للزمن الإداري والنقابي في نقاشات لا تُفضي إلى حلول. فبعد شهور من الاجتماعات، لا تزال العديد من الملفات عالقة، والقرارات تدور في حلقة مفرغة، بينما يتفاقم الاحتقان داخل صفوف الشغيلة التعليمية.

أمام هذا الوضع الملتبس والفوضوي غير المسبوق على مدار تاريخ تدبير الوزارة، يصبح من المشروع التساؤل عما إذا كانت النقابات ستستمر في هذا المسار العبثي؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة منهجية التفاوض برمتها؟ خصوصاً وأن المؤشرات الحالية تنذر بأن الغضب في الأفق، وأن أي تأخير في تقديم حلول ملموسة قد يفتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى