مجتمع

براج سيدي عبد الرحمان نموذج صارخ لسوء تدبير مياه التساقطات المطرية ببلادنا

رغم أن المغرب شهد خلال الفترة الأخيرة تساقطات مطرية مهمة بعد سنوات من الجفاف، إلا أن هذه الفرصة لم تُستغل بالشكل الأمثل بسبب غياب استراتيجية واضحة لإدارة الموارد المائية، فقد كشفت هذه الأمطار عن اختلالات كبيرة في التدبير المائي حيث انتهى جزء كبير منها في البحر أو ضاع بسبب ضعف البنية التحتية وقصور التخطيط، مما يسلط الضوء على محدودية الرؤية الاستراتيجية للمسؤولين وغياب الوعي الحقيقي بخطورة الوضع.

خلال الأسابيع الماضية، شهد المغرب معدلات هطول مرتفعة في العديد من المناطق، مما أنعش الآمال بارتفاع مستوى المياه في السدود والفرشة المائية، ووفقًا للبيانات الرسمية، ارتفعت نسبة ملء السدود إلى 37%، بحجم إجمالي يقدر بـ 6230 مليون متر مكعب من المياه، إلا أن هذه الكميات لم يتم استغلالها بشكل أمثل بسبب ضعف مشاريع تخزين المياه أو توجيهها نحو المناطق التي تعاني من العطش، ورغم هذا الارتفاع في نسبة الملء، إلا أن المغرب لا يزال يواجه تحديات كبيرة في مجال إدارة الموارد المائية، ففي حين يتم الاحتفاء بالتساقطات المطرية عند حدوثها، سرعان ما يعود الحديث عن ندرة المياه وانخفاض المخزون المائي دون وجود حلول استراتيجية فعّالة لمعالجة المشكلة الأساسية.

من أبرز المشاكل التي تعكس غياب الرؤية الاستراتيجية هو عدم وجود خطط فعالة لحصاد مياه الأمطار ومنع ضياعها، فقد كشفت أزمة المياه عن عدة مشاكل هيكلية، أبرزها تهالك السدود وعدم صيانتها الدورية مما يقلل من قدرتها الاستيعابية بسبب تراكم الأوحال، وعدم تطوير مشاريع لتجميع مياه الأمطار حيث لا تزال الأساليب التقليدية هي المسيطرة على تدبير المياه، وغياب شبكات نقل المياه الفعالة بين المناطق التي تتلقى كميات كبيرة من التساقطات والمناطق التي تعاني من نقص حاد في الموارد المائية، وضعف مشاريع إعادة استخدام المياه العادمة رغم أن هذه التقنية أصبحت أساسية في العديد من الدول لمواجهة شح المياه.

يعد سد سيدي عبد الرحمان بآسفي مثالًا واضحًا على فشل تدبير الموارد المائية، فبعدما كان خزانًا مائيًا حيويًا يزود المنطقة بالمياه العذبة ويدعم النظام البيئي المحلي، تحول مؤخرًا إلى منطقة جافة بسبب نقص المياه وغياب أي استراتيجية لإنقاذه، ومن أبرز المشاكل التي تعرض لها السد عدم استغلاله الكلي في تخزين مياه التساقطات الأخيرة، حيث لم تستفد المنطقة من كميات المياه التي تدفقت بسبب غياب مشاريع توجيه هذه المياه نحو السد بشكل فعال، مما أدى إلى فقدان كميات هائلة من المياه، كما عانى السد من التجفيف التام بسبب النقص الحاد في المياه بسد المسيرة، المزود الرئيسي لحوض أم الربيع، مما أدى إلى قطع تدفق المياه عنه بالكامل، ونفوق الكائنات المائية نتيجة الجفاف مما أثر على التنوع البيئي في المنطقة، وهجرة الطيور التي كانت تعتمد على السد كمصدر للغذاء والمأوى، مما تسبب في اضطراب التوازن البيئي، ورغم التحذيرات المتكررة من الجمعيات البيئية وسكان المنطقة، لم يتم اتخاذ أي إجراءات لإعادة تزويد السد بالمياه، في ظل استمرار غياب رؤية استراتيجية واضحة لإنقاذه. المقلق في هذه الأزمة ليس فقط ضعف التخطيط، بل غياب الوعي الحقيقي لدى المسؤولين بخطورة الوضع، فبدلاً من الاستثمار في مشاريع مستدامة، يتم التعامل مع أزمة المياه بسياسات قصيرة المدى دون رؤية استراتيجية متكاملة،

كما أن تأخر تنفيذ مشاريع حيوية مثل تحلية مياه البحر وتوسيع شبكات الري الذكي يعكس عدم وجود إرادة حقيقية لحل الأزمة. لا تزال سياسة تدبير المياه في المغرب تفتقر إلى الابتكار والنجاعة، حيث تظل الجهود منصبة على إنشاء سدود تقليدية دون البحث عن حلول أكثر استدامة، كما أن غياب الرقابة الصارمة على استهلاك المياه، خاصة في القطاع الفلاحي، يؤدي إلى استنزاف الموارد المائية دون تعويض، ومن جهة أخرى، لا يتم الاستثمار بشكل كافٍ في البحث العلمي والتكنولوجيا المائية، مما يجعل المغرب متأخراً في تبني حلول ذكية لإدارة المياه. لمواجهة هذه التحديات، يتعين على المغرب تبني استراتيجية مائية واضحة تقوم على تعزيز البنية التحتية المائية من خلال بناء سدود حديثة وصيانة السدود القديمة، وتعزيز تقنيات إعادة استخدام المياه العادمة لمواجهة نقص الموارد المائية، وتطوير مشاريع حصاد مياه الأمطار خاصة في المناطق الجافة، وترشيد استهلاك المياه في القطاع الفلاحي عبر دعم أنظمة الري الحديثة والمستدامة، وتعزيز البحث العلمي والتكنولوجيا في مجال المياه من خلال شراكات دولية وبرامج بحثية متقدمة، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة في القريب العاجل، فإن أزمة المياه ستستمر في التفاقم، مما يهدد الأمن المائي والاقتصادي والاجتماعي للمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى