المغرب يعزز ترسانته القانونية لمواجهة التهديدات الرقمية والجرائم العابرة للحدود

يشهد المغرب تطوراً ملحوظاً في استراتيجيته الأمنية والاستخباراتية، لمواجهة التهديدات الرقمية المتزايدة. تشمل هذه التحديات الإرهاب العابر للحدود، والهجمات السيبرانية المعقدة، وحملات التضليل، إضافة إلى التهديدات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
تأتي هذه الخطوة في إطار حرص المملكة على تحقيق التوازن بين حماية الأمن والحفاظ على الحريات، وتعزيز الثقة بين المواطنين والشركاء الدوليين. وتعود جذور العمل الاستخباراتي في المغرب إلى تقاليد المخزن في جمع المعلومات. بعد الاستقلال في عام 1956، تأسست أجهزة متخصصة مثل المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) للاستخبارات الخارجية، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) للأمن الداخلي.
كانت تفجيرات الدار البيضاء في شهر ماي سنة 2003 نقطة تحول حاسمة، حيث تم إقرار قانون 03-03 لمكافحة الإرهاب. هذا القانون منح العمل الاستخباراتي إطارًا قانونيًا واضحًا وعزز التعاون الدولي. ومع دستور 2011، تم ترسيخ مبدأ عمل الاستخبارات في إطار دولة القانون، مع حماية الحياة الخاصة والحق في الوصول إلى المعلومة.
تعتمد المنظومة الحالية على قيادة موحدة للأمن الوطني و DGST تحت إشراف عبد اللطيف الحموشي، مما يتيح تنسيقًا أكبر. وتلعب DGED، بقيادة ياسين المنصوري، دورًا محوريًا في الدبلوماسية الأمنية وتعزيز النفوذ الإقليمي. وتتوسع المنظومة لتشمل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (BCIJ)، والمديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI)، والهيئة الوطنية للمعلومات المالية (ANRF).
من أبرز القوانين المنظمة نجد القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، والقانون رقم 53-05 بشأن المعاملات الإلكترونية. بالإضافة إلى القانون رقم 09-08 الخاص بحماية المعطيات الشخصية، والقانونين رقم 43-05 و 12-18 لمكافحة غسل الأموال، وأخيرا القانون رقم 05-20 حول أمن نظم المعلومات. ويتكامل ذلك مع انضمام المغرب لاتفاقيات دولية، مثل اتفاقية بودابست واتفاقية 108+. تطور القوانين الأمنية يعكس التزام المغرب بمكافحة الجريمة.
تطورت التهديدات من الانفصال والحركات المتطرفة والجريمة المنظمة التقليدية إلى طيف واسع من المخاطر الجديدة، مثل الإرهاب العابر للحدود والحرب الهجينة. وتشمل التحديات أيضًا الجرائم الإلكترونية عالية التعقيد، كبرامج الفدية والتجسس الصناعي وقرصنة البيانات الاستراتيجية. إضافة إلى استغلال العملات المشفرة في غسيل الأموال والاتجار بالبشر، ومخاطر الحوسبة الكمومية وتقنية “الحصاد الآن وفك التشفير لاحقًا”. كما تظهر تهديدات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والتزييف العميق.
لمواجهة هذه التحديات، اتخذ المغرب تدابير مهمة، منها فرض تصنيف وحماية إلزامية للبنى التحتية الحيوية، وإلزام المشغلين بالإبلاغ عن الحوادث الأمنية. بالإضافة إلى تعزيز قدرات DGST بالتنسيق مع مركز maCERT، وتطوير التعاون مع الإنتربول وأفريبول في مكافحة الجريمة العابرة للحدود.
وتوصي تقارير أمنية بإصدار قانون إطار للاستخبارات يحدد الصلاحيات وآليات الرقابة، وتحديث المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية لمواكبة تحديات التشفير والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. كما تقترح تفعيل إلزامية تدقيق السلامة للبنى التحتية الحيوية، ودمج التشفير ما بعد الكمي في السياسات الوطنية، ووضع حوكمة واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة. التعاون الدولي ضروري لمكافحة هذه التهديدات.
وتشمل الخطوات المقترحة أيضًا إعداد تقرير سنوي علني عن أنشطة الاستخبارات لتعزيز الشفافية والثقة. منذ سنة 2003، انتقل المغرب من مقاربة دفاعية إلى نهج استباقي يعتمد على الابتكار السيادي والتعاون الدولي، مع الحفاظ على المرونة القانونية. ومع دخول حقبة التهديدات الرقمية والذكاء الاصطناعي، يبقى الرهان على بناء منظومة أمنية متطورة تضمن السيادة الوطنية، وتحافظ على موقع المغرب كفاعل موثوق في الأمن الإقليمي والدولي. الأمن السيبراني يشكل تحديًا كبيرًا للمغرب.