حركة زد 212 تفضح حكومة الكفاءات

إبــــــــراهيم بلــــهرادي
منذ تقديم الحكومة الحالية باعتبارها “حكومة كفاءات” أي حكومة تضم أسماء يُفترض أن تتمتع بخبرات متخصصة تمكنها من مقاربة الملفات التقنية والاقتصادية والاجتماعية — بات الواقع السياسي يؤشر إلى تناقض صارخ بين التسمية والنتائج الميدانية. ففي كل أزمة تظهر هشاشة هذه الصفة: تُطرح تساؤلات حول مدى مطابقة بعض التعيينات للمعايير المهنية والقطاعية أو حتى السياسية، وما إذا كانت بعض الأسماء تم اختيارها لاعتبارات مرتبطة بالثقة الشخصية أو التحالفات السياسية أو أنها اختيرت لخبرة عملية مباشرة في المجالات التي تُسند إليها.
مثال ذلك ما أثارته شعارات شباب “زيد212” من نقد لعدد من الوزراء المسؤولين عن قطاعات حسّاسة؛ فاسماء طفت في النقاش العام بوصفها بعيدة عن الخلفية الأكاديمية أو المهنية المطلوبة للوزارة التي تسلمها البعض منهم، ما غذّى الانطباع بأن معيار الاختيار لم يكن دائماً موضوعية التخصص بقدر ما كان علاقة القرب السياسي أو مصالح مشتركة خصوصا مع رئيس الحكومة. هذه الملاحظة ليست مجرد نقد شكلي؛ إذ أن فقدان التناسب بين خلفية الوزير ومجال عمله ينعكس مباشرة على فعالية التدبير العمومي، وعلى قدرة الوزارة على قراءة مشاكل القطاع واقتراح حلول مؤثرة.
وأكثر الأسماء التي أثارت جدلا اليوم من خلال شعارات شباب زيد212 كان محمد سعد برادة الذي يتحمل حقيبة التعليم، ومعلوم أنه بعيد كل البعد عن المجال الأكاديمي. فالرجل يشتهر بـ”ملك الحلويات”، وعلاقته وطيدة برئيس الحكومة عزيز أخنوش من حيث المصالح المشتركة، أيضا وزير الصحةأمين التهراوي وهو أيضا ليست له تجربة مهنية أو أكاديمية لها علاقة بالمجال،غيرأنه تقلد مناصب في التسيير لشركات يملكها عزيز أخنوش أوحرمه سلوى الإدريسي، “أكوا” و”أكسال”
ومن هنا تنبثق نقطة الضعف الجوهرية: الكفاءة التقنية وحدها لا تضمن الأداء الحكومي الجيد إذ أظهرت الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت في عدد من المدن المغربية مرة أخرى محدودية حضور أعضاء الحكومة في الميدان الإعلامي وفي الفضاء العمومي. ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون خطابا مطمئنا، وتوضيحات رسمية دقيقة، وخطة واضحة المعالم لتجاوز الوضع، يسود الغياب أو الاكتفاء ببلاغات مقتضبة لا تجيب عن الأسئلة الحقيقية للناس. هذا الفراغ في التواصل لا يملؤه سوى الشائعات والمعلومات المضللة التي تنتشر عبر المنصات الاجتماعية بسرعة أكبر من أي خطاب رسمي.
التواصل السياسي ليس ترفاً، بل جزء أساسي من ممارسة الحكم. فالحكومة التي لا تخاطب المواطنين بانتظام ووضوح، ولا تفسر اختياراتها وتدبيرها للأزمات، تفقد ثقة الرأي العام وتترك مساحة مفتوحة أمام التأويلات السلبية. بل أكثر من ذلك، يساهم غياب التواصل في تكريس الانطباع بأن الحكومة بعيدة عن نبض الشارع، أو أنها غير معنية بمعاناة فئات واسعة من المجتمع.
إن الكفاءات التقنية وحدها لا تكفي في الحكم؛ فالقيادة السياسية تقتضي أيضا القدرة على التأطير والتفسير والتفاعل مع انتظارات المواطنين. هذا ما يفسر لماذا تظل بعض القرارات الحكومية، رغم وجاهتها في مضمونها، مثار رفض شعبي واسع: لأنها ببساطة لم تُشرح للرأي العام، ولم تُقدَّم في إطار رؤية شاملة تبيّن الغاية منها وتطمئن على آثارها.
الأزمات تكشف دائما حقيقة الحكومات: إما أن تكون فرصة لإبراز القوة في القيادة، أو أن تتحول إلى مرآة تعكس مواطن الضعف. وفي حالة الحكومة الحالية، فإن أكبر امتحان لا يكمن في كفاءتها التقنية بقدر ما يتمثل في قدرتها على تطوير أسلوب تواصلي حديث وفعال، يجعل من القرب من المواطن قاعدة، لا استثناء، ويعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.
تداعيات هذا الضعف متعددة: أولاً، إضعاف مصداقية القرارات والسياسات حتى عندما تكون سليمة من ناحية المحتوى؛ ثانياً، تفريغ المساحات الإعلامية من المعلومات الرسمية الدقيقة وفتح المجال للشائعات والمضامين المضلِّلة؛ وثالثاً، اتساع الهوة بين السلطات والمجتمع المدني والشباب الذي يطالب بالمساءلة والوضوح.
ولذلك، فإن الحديث عن “حكومة كفاءات” يجب أن يرافقه التزامان عمليان: الالتزام الأول هو معيارية التعيين عبر شفافية أكبر في مقاييس الاختيار وإعلاء قيمة الخبرة القطاعية الحقيقية؛ والالتزام الثاني هو تعزيز آليات التواصل السياسي المؤسسي، عبر فرق ناطقين مدربين، وإستراتيجيات توضيحية منتظمة تأخذ بعين الاعتبار لغة الشباب وفضاءات التواصل الرقمية. وهكذا فقط تتحول الكفاءة الشكلية إلى قوة فاعلة ذات شرعية ومصداقية في أعين المواطنين