الحكومة تضفي تعديلات على المسطرة الجنائية: تقنين الحراسة النظرية وتوثيق تحقيقات الشرطة مع المتهمين
بعد طول انتظار، أصدرت الحكومة مشروع قانون جديد يتعلق بتعديل وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، وذلك بعد مرور أكثر من 20 عامًا على صدوره. تأتي هذه المراجعة في إطار “تحديث المنظومة القانونية الوطنية” وتهدف إلى تعزيز ضمانات حقوق الأفراد وحرياتهم، بما يتماشى مع المواثيق الدولية والدستور المغربي.
يتضمن مشروع القانون رقم 03.23، الذي من المتوقع أن تصادق عليه الحكومة خلال اجتماعها الأسبوعي، مجموعة من المستجدات التي تسعى إلى تعزيز وتحديث الضوابط القانونية المتعلقة بالحراسة النظرية. وتأتي هذه التعديلات في إطار أنسنة وتقييد تدبير الحراسة النظرية، الذي يُعتبر إجراءً مقيدًا لحرية الأفراد، ويُفرض عندما يتطلب التحقيق ذلك، خاصة في حالات الجنايات أو الجنح.
احترام كرامة المشتبه فيهم
أحد أبرز التعديلات التي جاء بها المشروع الجديد هو فرض تنفيذ تدبير الحراسة النظرية في ظروف تضمن احترام كرامة المشتبه فيهم والحقوق المكفولة لهم قانونًا. كما يفرض المشروع على الجهات المعنية اتخاذ التدابير الأمنية الضرورية فقط، بما يتوافق مع احترام هذه الحقوق، ويطبق هذا المقتضى الحمائي على الأحداث المتورطين في جرائم معاقب عليها في التشريع الجنائي.
ترشيد اللجوء إلى الحراسة النظرية
يُعزز المشروع الجديد من ترشيد اللجوء إلى الحراسة النظرية، حيث ينص على أنها “تدبير استثنائي” لا يُلجأ إليه إلا في حالات الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس، شريطة أن يكون هذا التدبير ضروريًا لأسباب منصوص عليها في القانون. كما يتضمن المشروع تدابير وإجراءات تهدف إلى مراقبة ظروف الحراسة النظرية وضمان حقوق الأشخاص المودعين واحترام كرامتهم، بهدف الحد من أي أعمال تعسفية قد تمس بسلامتهم الجسدية أو تحرمهم من حقوقهم القانونية.
إحداث آلية التسجيل السمعي البصري
من بين المستجدات التي أتى بها المشروع، إحداث آلية للتسجيل السمعي البصري تُفعل أثناء قراءة تصريحات المشتبه فيه المضمنة في المحضر، ولحظة توقيعه أو رفضه، ويشمل ذلك الجرائم المعاقب عليها بأكثر من خمس سنوات. كما نص المشروع على أن مدة نقل المشتبه فيه لا تحتسب ضمن مدة الحراسة النظرية، في حال تم توقيفه خارج الدائرة القضائية لضابط الشرطة القضائية الذي يحتفظ به تحت الحراسة.
تعزيز حق الاتصال بالمحامي
يمنح المشروع الجديد المشتبه فيه حق الاتصال بمحاميه من الساعة الأولى لتوقيفه، دون الحاجة إلى إذن مسبق من النيابة العامة. كما يشدد على ضرورة توثيق اسم الشخص الذي تم الاتصال به والوسيلة المستخدمة وتوقيت الإشعار، ويُلزم ضابط الشرطة القضائية بتضمين هذه المعلومات في المحضر.
تمديد مدة الحراسة النظرية
يُحدد المشروع أيضًا ضوابط تمديد مدة الحراسة النظرية، حيث لا يمكن تمديدها إلا بأمر كتابي معلل من النيابة العامة، ويتيح للمحامي حضور عملية الاستماع للمشتبه فيه من طرف الشرطة القضائية في حالة الأحداث أو الأشخاص المحددين في القانون. كما ينص على إمكانية نقل محتويات سجل الحراسة النظرية إلى سجل إلكتروني وطني أو جهوي، واعتماد صفة “طبيب ممارس لمهام الطب الشرعي” في الحالات التي تستدعي ذلك.
احترام كرامة وحرمة الأشخاص
أخيرًا، يشدد المشروع على ضرورة احترام كرامة وحرمة الأشخاص الموقوفين أثناء تفتيشهم جسديًا، مع مراعاة جنس الشخص الذي يتم تفتيشه، لضمان عدم المس بكرامتهم أو حقوقهم الإنسانية.
يمثل هذا المشروع خطوة مهمة نحو تحسين المنظومة الجنائية في المغرب، ومن المتوقع أن يثير نقاشات واسعة في الأوساط السياسية والحقوقية، لما يحمله من تغييرات جوهرية في إجراءات التحقيق وضمانات حقوق الأفراد.