بنموسى: هجرة الأسر الميسورة تهدد مستقبل التعليم العمومي في المغرب

في حفل تنصيبه عضوًا بأكاديمية المملكة المغربية، أكد شكيب بنموسى، مندوب التخطيط الجديد والمسؤول السابق عن لجنة صياغة “النموذج التنموي”، على ضرورة إرساء عقد اجتماعي جديد يكون التعليم محورًا أساسيًا فيه. وأوضح أن التعليم ليس مجرد أداة لنقل المعرفة، بل هو عنصر رئيسي في تحقيق التنمية، وتمكين الأفراد، وتعزيز النمو الاقتصادي، ودعم الابتكار.
في جلسة التنصيب التي انعقدت يوم الأربعاء بمقر أكاديمية المملكة في الرباط، شدد الوزير السابق للتربية الوطنية ووزير الداخلية الأسبق على أن إصلاح التعليم لا يمكن أن يعتمد فقط على حلول تقنية، بل يتطلب تفاعلات اجتماعية ومشاركة فعالة من المجتمع والأسر، مع ضرورة تعزيز ثقة المواطنين في منظومة التعليم.
وأشار بنموسى إلى أن الدولة، من خلال النموذج التنموي الجديد، يجب أن تضع التعليم في صلب أولوياتها، مؤكدًا أن التعليم ليس مجرد نقل للمعلومات، بل يشمل تطوير مهارات التفكير النقدي، والابتكار، والتعلم المستمر، وتعزيز قيم المواطنة، والسلوك الإيجابي، وترسيخ الهوية الثقافية.
رصد بنموسى أزمة عميقة في جودة التعليم، مشيرًا إلى أن النظام التعليمي يفشل في إيصال القيم والمعارف الضرورية للطلاب في عالم اليوم. وأوضح أن المغرب يسجل 300 ألف حالة انقطاع مدرسي سنويًا لمن هم دون 16 سنة، مما يعني أن ثلاثة ملايين طفل يغادرون مقاعد الدراسة خلال عقد من الزمن. هذا الوضع، حسب بنموسى، يستوجب إصلاحًا جذريًا يضع التعليم في صلب العقد الاجتماعي لتحقيق الصالح العام.
وأشار إلى أن الفئات الميسورة هجرت التعليم العمومي منذ فترة طويلة، مما يؤثر على تكافؤ الفرص والاندماج المجتمعي. وأكد أن ضمان تعليم عمومي عالي الجودة ضروري للحفاظ على العيش المشترك وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وأكد بنموسى أن إصلاح التعليم لا يقتصر على الدولة والجماعات المحلية، بل يحتاج إلى شراكات مع المقاولات الاجتماعية والجمعيات التي تسد الثغرات التي لا يغطيها القطاعان العام والخاص. وشدد على أهمية دعم هذه المبادرات لتحقيق الصالح العام.
وشدد على أن العقد الاجتماعي الجديد لا ينبغي أن يكون مجرد رؤية فوقية، بل يجب أن يكون ثمرة لنقاشات مجتمعية واسعة بمشاركة الأسر والمجتمع المدني. وأكد أن تحقيق نتائج ملموسة يستلزم تجاوز العقبات العملية، وتحويل السياسات التعليمية إلى ممارسات فعالة داخل الفصول الدراسية، مع تقليص الفجوة بين الخطط والسياسات التعليمية والواقع الميداني.
وأشار بنموسى إلى أن الإصلاح ليس عملية خطية، بل يجب أن يتم عبر مراحل مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الأولويات والتحديات، وتعتمد على التجريب والتقييم المستمر. كما أكد على أهمية القيادة الفعالة، والتواصل الشفاف، والاستثمار في العلاقات الإنسانية، ومراعاة تطلعات أولياء الأمور.
وشدد على أن أي تغيير في منظومة التعليم يجب أن يكون مرنًا وقابلًا للتكيف، من خلال تشجيع الممارسات البيداغوجية المثبتة علميًا، ومنح الأساتذة هامشًا من الحرية لمواءمة أساليبهم مع احتياجات الطلاب. واعتبر أن دور المدرسين محوري في تحسين جودة التعليم، نظرًا لأن التعليم حق أساسي، وأداة رئيسية لتحقيق التنمية، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.