مجتمع

الفساد الإداري في المغرب: أكثر من 197 ألف قضية رشوة في 20 سنة

كشف تقرير وزارة العدل حول معالم الجريمة (2002–2022) أن الرشوة تتصدر الجرائم التي تورط فيها الموظفون العموميون في المغرب، بإجمالي بلغ 197 ألف قضية خلال العقدين الماضيين، ما يعكس حجم التحدي الذي يمثله الفساد الإداري في المرافق العمومية. وأوضح التقرير أن 98 في المائة من القضايا تتعلق بالرشوة واستغلال النفوذ والغدر، في حين لا تتجاوز نسبة الجرائم الأخرى مثل التزوير واختلاس الأموال العمومية 2 في المائة فقط.

وسجل عدد قضايا الرشوة قفزة هائلة خلال عشرين سنة، إذ انتقل من حوالي 2300 قضية سنة 2002 إلى أكثر من 20 ألف قضية سنة 2022، أي بزيادة تفوق ثماني مرات. وأرجع التقرير هذا الارتفاع إلى عاملين رئيسيين: تزايد وعي المواطنين وجرأتهم في التبليغ عن الرشوة بفضل الحملات التحسيسية ووسائل الإعلام، وإلى توسع الرقابة القضائية والإدارية بعد إطلاق الخط الهاتفي المجاني للتبليغ عن الرشوة سنة 2015، الذي مكّن من تسجيل عشرات حالات التلبس في الإدارات العمومية.

وبيّن التقرير أن أغلب القضايا تتركز في الإدارات الأكثر ارتباطا بالمواطنين مثل الجماعات الترابية، وقطاع الصحة، والمصالح الأمنية، والتجهيز والنقل، مشيرا إلى أن المتورطين يتوزعون بين موظفين صغار ومسؤولين إداريين متوسطين، بينما تظل القضايا الكبرى التي تشمل مسؤولين سامين قليلة العدد لكنها عالية الرمزية.

وأشار التقرير إلى أن الفساد في المغرب يتخذ طابعا يوميا متكررا أكثر من كونه ممنهجا، إذ تتعلق العديد من القضايا برشى صغيرة تتراوح بين 100 و500 درهم، لكنها تضعف الثقة في المؤسسات وتضر بصورة الإدارة العمومية.

كما نوّه التقرير بالمجهودات المبذولة لمحاربة الرشوة، من خلال الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة والاستراتيجية الوطنية للنزاهة والشفافية، لكنه سجل بطئا في وتيرة التغيير نتيجة ضعف التنسيق بين الأجهزة الرقابية وتعدد المتدخلين في مراقبة المال العام.

ولاحظ التقرير بروز أنماط جديدة من الفساد في الفضاء الرقمي، مثل استعمال الوسطاء لتسريع الخدمات الإلكترونية أو طلب مبالغ مالية لتفعيل المعاملات الإدارية عبر الإنترنت، محذرا من أن الرقمنة قد تنقل الرشوة إلى فضاءات يصعب تتبعها في غياب آليات تحقق آمنة وفعالة.

وفي ختام التقرير، شددت وزارة العدل على أن محاربة الرشوة لا يمكن أن تقتصر على المقاربة الزجرية، داعية إلى تعزيز الوقاية من خلال تحسين ظروف العمل الإداري، وتحفيز الموظفين على النزاهة، وحماية المبلغين، مؤكدة أن إصلاح الإدارة وتبسيط المساطر يمثلان السبيل الأنجع لتجفيف منابع الفساد واستعادة الثقة في المؤسسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى