رقمنة التشريع بالمغرب: الحكومة تناقش التحديات والفرص

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنظومة القانونية، ناقشت الأمانة العامة للحكومة موضوع “رقمنة التشريع في المغرب”. وذلك خلال مشاركتها في الدورة الـ30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب.
أكدت الأمانة العامة أن المنظومة القانونية الرقمية تعتبر محركًا أساسيًا للتنمية. فهي تساهم في تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز الأمن القضائي، وتكريس الحقوق والحريات. هذا يجعل المغرب مؤهلاً ليصبح مركزًا رقميًا رائدًا في مجال العدالة على مستوى القارة.
أوضح أحمد بوز، أستاذ القانون العام، أن المغرب شهد تأثيرًا كبيرًا للثورة الرقمية. هذا التأثير فرض تحديات جديدة على المنظومة التشريعية، مما استدعى تحديثها ومواكبتها للتطورات.
وأشار إلى الجهود المبذولة لتأطير التحول الرقمي تشريعيًا، مثل إصدار قوانين خاصة بالإدارة الرقمية، المعاملات الإلكترونية، حماية المستهلك، وحماية المعطيات الشخصية.
كما نوه بإحداث مؤسسات رقابية متخصصة، مثل اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (CNDP) والوكالة الوطنية لتقنين الأمن السيبراني (ANSSI). بالإضافة إلى اعتماد وسائل تقنية حديثة كالتوقيع الإلكتروني وتحديث العدالة رقميًا وتوسيع الحق في الوصول إلى المعلومة (قانون 31-13).
أشار بوز إلى التحديات الكبرى التي تواجه التشريع المغربي، مثل ضعف التحيين التشريعي وتأخر القوانين عن مواكبة التطور التكنولوجي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، البلوكشين، والعملات المشفرة. كما أشار إلى تزايد الجرائم السيبرانية وقصور قانون 07-03 في مواجهة الاحتيال الرقمي والاختراقات الحديثة، بالإضافة إلى ضعف حماية المستهلك الرقمي.
وتطرق إلى انتشار الأخبار الكاذبة والحاجة إلى تشريعات توازن بين محاربة التضليل الرقمي وحماية حرية التعبير (إشكالية قانون 22-20)، وغياب إطار ضريبي عادل للشركات الرقمية العالمية.
كما شدد على أهمية تطوير تشريعات مرنة واستباقية تواكب سرعة التحول الرقمي، وتعزيز التنسيق المؤسسي بين الفاعلين القانونيين والأمنيين والقضائيين، والاستثمار في تكوين الكفاءات القضائية والتقنية في مجال الجرائم الرقمية. وأكد على ضرورة سن قوانين تضمن الإدماج الرقمي العادل وتقلص الفجوة بين الفئات والمجالات، وتنظيم التكنولوجيا الحديثة بما يضمن الابتكار المسؤول والحماية القانونية للمواطنين.
فاطمة الزهراء التادلي، مستشارة قانونية، ناقشت رقمنة الإجراءات الجنائية في مشروع القانون رقم 03.23. وأكدت أن نجاعة العدالة تعتمد على توظيف الأنظمة القضائية للتكنولوجيا الحديثة في الإجراءات والمساطر وتدبير الإدارة القضائية. وأضافت أن الرقمنة تساهم في الرفع من نجاعة أداء المحاكم وتبسيط الإجراءات واختصار الزمن القضائي وتسهيل الولوج إلى المحاكم.
وأشارت إلى أن مشروع القانون رقم 03.23 تضمن مستجدات تتعلق باستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في الإجراءات الجنائية، مثل آلية التسجيل السمعي البصري أثناء قراءة تصريحات المشتبه فيه، وإجراء تفتيش رقمي بالأجهزة المعلوماتية والأدوات الإلكترونية، وحجز البيانات والأدلة الإلكترونية.
كما تطرقت إلى اعتماد نظام المراقبة الإلكترونية كبديل للاعتقال داخل المؤسسات السجنية، وذلك بإضافة تدبير الوضع تحت المراقبة الإلكترونية إلى تدابير المراقبة القضائية.
رنا عز الدين الأصبحي، خبيرة في إدارة الشؤون القانونية، تساءلت عن مدى كفاية التشريعات الحالية لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي. وأشارت إلى أن معظم التشريعات الحالية وضعت لعصر ما قبل الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها غير كافية لمعالجة خصوصية الخوارزميات وفرض التزامات تفسيرية على المطورين وتحديد معايير الشفافية والمساءلة.
وحذرت من الخطر المترتب على غياب إطار قانوني واضح لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل انعدام المساءلة وتهديد الحريات الفردية واحتكار المعرفة والتلاعب الاجتماعي.
ودعت إلى اعتماد منظور أخلاقي للذكاء الاصطناعي يقوم على مبادئ احترام الكرامة الإنسانية والمصلحة العامة والعدالة في التوزيع وعدم الإضرار، بالإضافة إلى مراعاة مقاصد الشريعة. وشددت على الحاجة إلى ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي.
في الختام، يظهر أن رقمنة التشريع في المغرب تواجه تحديات وفرصًا كبيرة. التشريع الرقمي يتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين لمواكبة التطورات التكنولوجية وضمان حماية الحقوق والحريات.
كما أن التحول الرقمي يستدعي تطوير قوانين جديدة تعالج قضايا مثل الذكاء الاصطناعي والجرائم السيبرانية. الحكومة المغربية تعمل على مواكبة هذه التحديات من خلال مبادرات تشريعية ورقابية.