الوكالة القضائية للمملكة منهج جديد لتعزيز الثقة وحماية المال العام ودعم التنمية الشاملة.
بقلم ياسيــن كحلـي
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية
أضحى الإصلاح الشامل للإدارة العمومية هو التحدي الرئيسي الذي تواجهه المملكة المغربية في سعيها لتحقيق التنمية الشاملة. الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى أعضاء البرلمان في التاسع من أكتوبر عام 2020، أكد على ضرورة اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة لضمان نجاح أي خطة أو مشروع. وقد شدد الخطاب على أن مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية يجب أن تكون نموذجا في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية وليس عائقا لها.
إن تحسين جودة أداء المرافق العمومية يتطلب انفتاح الإدارة على محيطها واستجابتها لانتظارات المواطنين والمستثمرين، مع ضرورة ملاءمة برامجها مع متطلبات التنمية وتجويد الخدمة العمومية. وفي هذا السياق، تعد الوكالة القضائية للمملكة نموذجا في هذا الاتجاه، حيث أعدت مخططا استراتيجيا للفترة الممتدة من 2024 إلى 2028 يهدف إلى مواكبة الإدارات العمومية وتدبير المنازعات والوقاية منها.
المخطط الاستراتيجي الجديد للوكالة القضائية يقوم على خمسة محاور رئيسية، تهدف جميعها إلى تحقيق مقاربة استباقية في تدبير المنازعات ودعم القدرات القانونية للإدارات العمومية. من بين هذه المحاور، يأتي محور التنسيق والتواصل مع الشركاء ومواكبتهم في تدبير المنازعات، بما يسهم في توجيه القرار الإداري نحو الحكامة الجيدة وتجنب الآثار السلبية للمنازعات.
وقد تم في إطار تنزيل هذا المخطط الاستراتيجي، تنظيم لقاء تواصلي يوم 27 يونيو 2024 بمقر وزارة الاقتصاد والمالية، حيث تم تقديم خدمتين جديدتين تهدفان إلى تمكين الإدارات العمومية من الاستفادة من المشورة المقدمة من الوكالة القضائية. الخدمتان الجديدتان هما منصة “مواكبة” ومركز النداء، واللتان تتيحان للإدارات العمومية الاستفادة من الدعم والمشورة في مراحل اتخاذ القرار أو التعاقد، بما يهدف إلى الوقاية من المنازعات وتقليل تكلفتها المالية.
إن المخطط الاستراتيجي للوكالة القضائية يعتمد على توجيهات السياسات العمومية وخاصة برنامج عمل وزارة الاقتصاد والمالية، ويستند إلى توصيات التقارير الرسمية مثل تقرير المجلس الأعلى للحسابات. كما أنه يستفيد من نتائج التشخيص الداخلي واللقاءات مع مسؤولي الإدارات العمومية والمحاكم.
تسعى الوكالة القضائية من خلال هذا المخطط إلى تحويل نفسها إلى مركز للخبرة ومؤسسة قادرة على مواكبة الإدارات العمومية وتقديم الدعم والنصح في الوقت المناسب. لتحقيق ذلك، يجب مراجعة أساليب ومناهج العمل وتدبير الموارد البشرية بشكل أمثل، وملاءمة الإطار القانوني والنظام المعلوماتي والتنظيم الهيكلي مع الرؤية الجديدة لتدبير المنازعات والوقاية منها.
تلعب الوكالة القضائية دورا حيويا في تكريس المشروعية وتحسين مناخ الاستثمار وترشيد النفقات وحماية المال العام. وبهذا، فإن تطوير أدائها وإنزال كلفة منازعات الدولة إلى حدودها الدنيا يستند إلى رؤية جديدة قوامها المقاربة الاستباقية والوقاية من المنازعات. هذه الرؤية سيتم تنزيلها عبر خمسة محاور استراتيجية تتضمن 26 برنامجا و73 إجراء تنفيذيا، بعضها له طابع استعجالي تم الشروع في تنفيذه، وبعضها الآخر مبرمج على المدى المتوسط، بينما يبقى شق من هذه البرامج ممتدا في الزمن.
إن الهدف النهائي هو جعل الوكالة القضائية للمملكة مؤسسة ذات قدرة تنافسية تدعم ثقة الإدارة العمومية في أدائها وتحافظ على حقوق الدولة والمال العام في إطار تدبير استباقي ومعقلن للتكلفة والزمن والموارد المتاحة. بهذا، يمكن أن تكون الوكالة نموذجا يحتذى به في تحسين جودة الخدمات العمومية وتعزيز التنمية الشاملة في المغرب.
وبالتالي؛ إن راهينية نجاح هذه الرؤية يتطلب التزاما جماعيا من جميع الأطراف المعنية، بدءا من الإدارة العمومية وصولا إلى المواطنين والمستثمرين، لتحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على الجميع.