انسحاب نقابة معصيد من الحوار القطاعي..أليس قرارا مسبقا وذريعة غير مقنعة، وحسابات انتخابوية ضيقة؟
في ظل المسار الإصلاحي الذي بات يشهده النظام التعليمي بالمغرب في الآونة الأخيرة، وعلى أكثر من صعيد، وهو ما استشعره الأطر التربوية والإدارية وكذا آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وذلك إثر القرارات المتواترة والجريئة التي تم اتخاذها سواء عبر إصدار عدد مهم من المذكرات ذات الصلة، أو من خلال الانكباب على حل المشاكل الفردية والجماعية التي تهم فئات لطالما عانت الحيف في أسوأ تجلياته على مدار سنوات، وعلى مرأى ومسمع نقابة الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل (UMT) التي أثار انسحابها من الحوار القطاعي يوم الجمعة 24 يناير الجاري موجة من الانتقادات الحادة، سواء من طرف عموم الأسرة التعليمية أو حتى من لدن المنتمين تنظيميا لذات النقابة، والتي بررت انسحابها بوجود أشخاص “لا علاقة لهم بالتمثيلية النقابية”، وهو ادعاء يفتقر إلى الدقة والموضوعية، خاصة وأن أولئك الأشخاص حضروا بصفتهم النقابية القانونية والمشروعة، مما يكشف على أن الانسحاب كان قرارًا مسبقًا، يبحث عن ذريعة شكلية لتبريره، لكونه لم يكن مرتبطًا بظروف الحوار أو مخرجاته، بل كان جزءًا من حسابات انتخابوية ضيقة متعلقة بتسخينات “خارج الزمن والسياق” لاستحقاقات اللجان الثنائية المقبلة، وبالتالي فإن الذريعة التي تم تسويقها إعلاميًا حول حضور أطراف “غير مُمثلة” لا تعدو كونها محاولة لإخفاء فشل القيادة النقابية في فرض هيمنتها على الحوار القطاعي، خصوصًا بعد رفض النقابات الأخرى السير على نفس النهج الأحادي، والتي فطنت -النقابات- للعبة معصيد المكشوفة، حين ورط نقابته في “عصيدة حارقة” كان يمني النفس عبرها بجر قيادات باقي النقابات وراءه، ظنا منه أنهم يشبهون باقي القطعان ويسهل التحكم فيهم، إلا أن ذلك لم يحصل، حيث واصل الكاتب العام للوزارة رفقة طاقمه وبمعية باقي النقابات اجتماعهم وفق جدول الأعمال المحدد، وعلى إثره أصدرت النقابات الأربعة بلاغا مشتركا في شأن مخرجاته.
وتجدر الإشارة إلى أن الأطراف التي اعترضت عليها نقابة معصيد كانت تمثل تنظيمات نقابية لها شرعية قانونية وحضور فعلي في الساحة التعليمية، كما أن مشاركتهم في الحوار تعكس إرادة الوزارة في إشراك كافة الفاعلين لضمان مواصلة التنزيل الأمثل لمخرجات النظام الأساسي الجديد، ومن ثمة يرى بعض مناضلي الصف الأول لذات النقابة “الأكثر تمثيلا” في اتصال لهم بالجريدة، على أن هذا الانسحاب لا يمكن تفسيره إلا كجزء من محاولات معصيد وحوارييه توجيه الحوار لخدمة أجنداتهم الخاصة، بدلًا من التركيز على حل مشاكل الشغيلة التعليمية.
ومعلوم أن الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؛ يونس السحيمي منذ توليه هذه المسؤولية الجسيمة، لعب دورًا طلائعيًا في تعزيز الحوار القطاعي وخدمة مصالح نساء ورجال التعليم، حيث اتسمت مواقفه بالحيادية والجدية، ويعمل بجد لتوفير مناخ إيجابي للحوار، بعيدًا عن أية أجندات خارجة عن المهام المنوطة به بموجب القانون. وبفضل هذه المقاربة، أبدت الوزارة مرونة كبيرة في الاستجابة لمطالب الشغيلة التعليمية، ما يعكس التزامًا حقيقيًا بتحقيق العدالة والإنصاف في القطاع.
ولأن التاريخ يأبى النسيان، فلا يمكن إنكار الدور الكبير الذي اضطلع به عموم نساء ورجال التعليم بمعية الجامعة الوطنية للتعليم -التوجه الديمقراطي- عبر نضال ميداني وحملات توعوية، تمكنوا بعدها من فرض تعديلات جوهرية على المشروع، وحوّلته من نظام يكرس الحيف إلى صيغة أكثر إنصافًا لنساء ورجال التعليم، بعدما كان يهلل آنذاك ويطبل السيد معصيد وآخرون للنظام الأساسي في صيغته الأولى، ووافقوا عليها بجميع مطباتها وانزلاقاتها، والتي تم وصمها حينئذ بنظام العبودية والسخرة والاستغلال.
إن هذا الانسحاب المثير للجدل وللسخرية في الآن نفسه، أثار غضبًا واسعًا داخل نقابة UMT، حيث عبّر العديد من المنخرطين عن استيائهم من هذا القرار عبر تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفين نقابتهم بأنها أصبحت تُدار بعقلية بيروقراطية بعيدة عن مصالح الشغيلة، في الوقت الذي صب فيه البعض الآخر جام غضبهم عليها من خلال وصفها بأنها تمارس “القوادة النقابية”، مما جعل عددًا منهم يقرر الانسحاب منها احتجاجًا على هكذا سلوكات مراهقة في التدبير النقابي.
ويبقى السؤال المحرج الذي يطرحه نساء ورجال التعليم هو: هل انسحاب النقابة جاء بدافع الدفاع عن مصالحهم، بما في ذلك الإفراج عن الترقيات المستحقة والحسم في شأن باقي الملفات الهامة؟ أم إن القيادة “فوق العادة” لهذه النقابة انشغلت بحسابات شخصية للحفاظ على مواقعها، حتى لو كان ذلك على حساب الحوار القطاعي والمساهمة في إصلاح المنظومة عبر تفعيل وتنزيل مخرجات النظام الأساسي الجديد؟
صفوة القول؛ فإن الإصلاح القطاعي لا يمكن أن يكون رهينة لقرارات أحادية أو مصالح ضيقة، لكونه فرصة لإعادة بناء الثقة وتصحيح المسار، وهو ما يتطلب الانفتاح على كل الفاعلين، ودعم الجهود المخلصة التي يقوم بها الكاتب العام للوزارة، السيد يونس السحيمي، والذي أثبت منذ توليه مسؤوليته أنه يعمل بإصرار وحياد لخدمة مصلحة القطاع ونسائه ورجاله. أما محاولات العرقلة والابتزاز، فلن تؤدي إلا إلى تجاوز مخز من طرف التاريخ الذي لا ينصف سوى الاحرار والحرائر، مما يستوجب من الجميع التحلي بالمسؤولية والتوجه نحو إصلاح حقيقي يخدم المصلحة الفضلى للمنظومة والمنتسبين إليها ومرتفقيها.