كتاب وآراء

السجال الرافض لمدونة الأسرة، والهجوم على لطيفة أحرار ، خطاب واحد ،ووجهان لعملة واحدة

أحمد بومعيز.

أما بخصوص مسودة مدونة الأسرة وما أثارته من سجال في الأيام الأخيرة ، فمن الأساسي أن نعتبر ونعترف أن المشروع جاء بعد مشاورات طويلة ومطولة شملت أغلب المؤسسات والهيئات والنخب المعنية بذات الموضوع ، ليتم بعدها إقرار النسخة الراهنة، من قبل اللجنة الاستشارية والمجلس العلمي الأعلى .

وهي بذلك تمت شكلا وفق توافقات وتراض ، بمقاربة تشاركية في إطار منهجية ديمقراطية ، وجوهرا بإخراج نسخة متوافق حولها ، تروم إلى حد ما تحديث المجتمع، انطلاقا من مكون الأسرة باعتبارها مكونا وعنصرا أساسا فيه.
لكن السجال الذي رافق هذا المنتوج المشترك ، يكشف مرة أخرى عن صلب توجهات المجتمع المجتمع المغربي والذي لا يزال مجتمعا ذكوريا ومحافضا ، حتى لا نقول رجعيا ، من خلال بنيات فكرية مشوشة ومترددة ، على شاكلة ومنوال العديد من المجتمعات العربية والإسلامية . هذا ونلاحظ من خلال الخطاب والسجال الدائر حاليا في هذا الشأن ، مدى الارتباك والتناقض الذي تعيشه نخبنا الفكرية والثقافية والتي لا أسميها أنتلجنسيا ، إذ هي مجرد مجموعات غير متجانسة و غير منسجمة ، لا زالت تعيش أزمة بنية العقل العربي في علاقة مع التراث والبنيات الاجتماعية التقليدية والنصوص الدينية …
كما تجب الإشارة أن المتصدين و الرافضين حاليا لكل ما هو حداثي في مشروع المدونة ،لم يحسموا، لا نظريا ولا عمليا، في العديد من التناقضات التي تعيشها مؤسسة الأسرة والمجتمع، في
ظل المدونة الحالية ، منذ عقدين، أو التي كانت قبلها ، رغم كونها مدونات ذات طابع محافظ ..
وارتباطا بذات السياق، نلاحظ أيضا ما أثاره تكليف الفنانة والمسرحية والباحثة و الأكاديمية ،ومديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، الأستاذة لطيفة أحرار ، بمهمة بمجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي ، وما أثاره ذلك التعيين من ردود أفعال وانفعالات و تصريحات علنية ، رافضة لهذا الإجراء الإداري والقانوني بشكل قاطع ، من طرف العديد من المهتمين بالشأن الثقافي والشأن العام عموما ،وحتى من قبل المحسوبين على من يمكن اعتبارهم ،مجازا، من النخب الفكرية والسياسية والمجتمعية . وأهمية و دلالة هذا المثال، والذي صادف ،كرونولوجيا، الجدل الدائر حول مدونة الأسرة ، هو مدى التقارب والإلتقائية ، و درجات التقاطع، التي تربط بين، خطاب هؤلاء الرافضين، سواء، لمشروع المدونة وما جاءت به من حقوق قد تكون مؤهلة لوضعية المرأة خصوصا ،و الرافضين، لتولي لطيفة أحرار عضوية مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي. فمنهجيا ، الخيط الناضم والقاسم المشترك ،بين كل هؤلاء في أغلبيتهم ، هو المرجعية المحافظة أو الرجعية، والتي ترى المرأة من زاوية الحريم وبنظارة الميز المبني على النوع والجندر والجنس والدونية ، و أنها أي المرأة ،مجرد عورة في جسد، عورة يجب سترها في ثنايا الأحجبة وأقبية الأمكنة وظلام المجال ، وإبعادها عن كل مناطق الضوء والصدارة، في المجتمع وفي مناصب الريادة والقيادة والحكامة . ونلاحظ من خلال ذات النهج والمنهجية الإقصائية المبنية على الميز ، تسليط الانتقاد وتركيزه بالنسبة للطيفة أحرار على مكون الجسد بالدرجة الأولى ، في إطار تحررها ، وأداء بعض الأدوار في أعمال فنية ومسرحية، في شكل تعبيرات جدسية ذات أبعاد ” كوريغرافية ” متحررة إلى حد ما ، في إطار الفن والابداع والحرية والقانون. وهكذا ينسجم ، منهجية وخطابا وموقفا ، كل الذين يرفضون حاليا البنود الحداثية الواردة في مسودة مدونة الأسرة، والذين يرفضون تعيين لطيفة أحرار في منصب المسؤولية والحكامة المذكور ، متحججين بنصوص دوغمائية تنهل من قواميس ومرجعيات ماضوية بخلفيات رجعية، ومتماهين ومتقاطعين في ذلك مع خطاب ومضامين وأفكار مؤسسات ذات توجهات دينية بأجندات سياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى