المفتشون… فوق القانون أم فوق المنظومة؟!

يبدو أن نقابة مفتشي التعليم لم تستسغ القرار الإداري الصادر في حق أحد أعضائها، مفتش الشؤون المالية بمديرية فاس، وكأن جهاز التفتيش أصبح كهنوتًا مقدسًا لا تطاله يد المساءلة ولا يقترب منه مقص الإعفاء! المكتب الوطني لهذه النقابة، في بيان ناري، خرج صارخًا كمن يردد “لن نسلمكم أخانا”، مطالبًا الوزارة بالتراجع عن القرار، متناسياً أن مثل هذه الإجراءات تُتخذ يوميًا في حق أساتذة ومديري مؤسسات ومقتصدين وحراس عامين دون أن تقوم القيامة أو تستنفر النقابات أقلامها وبياناتها. فهل المفتشون كائنات فوق القانون؟ أم أنهم يعتبرون أنفسهم سادة المنظومة كما صرحوا في أحد بياناتهم السابقة؟
المثير للسخرية أن البيان لم يعترض على القرار فقط، بل حاول تأطيره وكأنه اعتداء صارخ على هيئة التفتيش بأكملها، وكأننا أمام محاولة اغتيال رمزية لجهاز مقدس! ترى، ماذا لو تم إعفاء مدير مؤسسة تعليمية بقرار إداري مشابه؟ سنجد الجميع يردد بأن “التعيين والتكليف والتوقيف أمور إدارية عادية تدخل ضمن صلاحيات الوزارة وأكاديمياتها”. لكن، عندما يتعلق الأمر بمفتش، يصبح القرار “عشوائيًا” و”غير قانوني” و”ضربًا لمصداقية التفتيش”.
لنتذكر قليلًا، ألم يكن الوزير محمد الوفا قاب قوسين أو أدنى من الاستغناء عن جهاز التفتيش برمّته وتفويض تقييم الأداء لمديري المؤسسات التعليمية باعتبارهم الأكثر احتكاكًا بالأساتذة والأدرى بمردوديتهم المهنية؟ ألم يكن ذلك القرار ليجعل المنظومة أكثر مرونة وأقل بيروقراطية، بعيدًا عن جولات التفتيش الموسمية وتقارير الكوبي كولي التي لا تسمن ولا تغني من جودة التعليم؟
ثم ماذا عن واقع التفتيش اليوم؟ ألم يتحول لدى البعض إلى مجرد مطية لحصد التعويضات عن مهام صورية، والتهافت على المقاطعات التي تضم المؤسسات الخصوصية حيث التعويضات السخية، بدل أن يكون جهازًا فاعلًا في تطوير المنظومة؟ أليس بعض المفتشين اليوم منشغلين أكثر بتغيير السيارات رباعية الدفع وحساب الأرصدة أكثر من انشغالهم بجودة التعليم؟ أليست التقارير التي يحررونها، في كثير من الأحيان، مجرد حبر على ورق لا أثر لها في واقع الأقسام الدراسية التي تعاني من الفوضى وضعف التأطير؟
احتجاج نقابة المفتشين على هذا القرار بهذه الحدة لا يُقرأ إلا بصفته إعلانًا ضمنيًا بأن جهاز التفتيش لا يُمسّ، وأن المسّ به إهانة للوزارة قبل أن يكون إهانة لهم. لكن، إن كانت الوزارة نفسها قد تجرأت على إعفاء مديري أكاديميات ومديرين إقليميين وحتى كتاب عامين، فما الذي يجعل مفتش الشؤون المالية بفاس استثناءً من القاعدة؟ أم أن بعض المفتشين يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة وفوق المؤسسات؟!
المنظومة التربوية تحتاج إلى إصلاح حقيقي، لكن ذلك لن يتم ما دام البعض يتعامل معها كإقطاعية خاصة، وما دامت عقليّة “نحن فوق الجميع” تسود داخل بعض الأجهزة التي كان يُفترض أن تكون رافعة للجودة لا عائقًا أمام الإصلاح!