مجتمع

“طحن الورق بالدقيق”.. من عبارة برلمانية إلى تحقيق وطني حول سلامة الدقيق بالمغرب

لم يكن يتوقع رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أحمد التويزي، أن تتحول عبارته المثيرة “طحن الورق بالدقيق” إلى شرارة جدل وطني، تجاوز أسوار البرلمان إلى الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي.
فخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، أشار التويزي إلى “اختلالات محتملة” داخل بعض المطاحن المستفيدة من الدعم العمومي، لكن تعبيره المجازي فُهم حرفياً، ما أثار موجة من الاستنكار وسط المهنيين والرأي العام، باعتباره اتهاماً مباشراً يمس سلامة الغذاء وجودة الدقيق الذي يستهلكه المغاربة يومياً.

أونسا ترد بالأرقام والحقائق

في خضم هذا الجدل، قدّم المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) توضيحاً خاصاً لـ”الصحيفة”، عرض فيه بالأرقام تفاصيل منظومة المراقبة الصارمة التي يخضع لها قطاع المطاحن والدقيق في المغرب.

أكدت “أونسا” أن المكتب يمنح الترخيص الصحي للمطاحن بعد التحقق من احترامها لمعايير النظافة والسلامة ومراحل الإنتاج والعنونة، مشيرة إلى أنه منح إلى غاية سنة 2025 ما مجموعه 191 ترخيصاً صحياً، مع إخضاع هذه الوحدات لزيارات تفتيش دورية بلغت 212 زيارة خلال سنتي 2024 و2025.

تحاليل دقيقة وبرامج مراقبة وطنية

وأوضحت المؤسسة أن هناك برنامجاً وطنياً سنوياً لمراقبة جودة الدقيق يشمل أخذ عينات من مختلف الأنواع لتحليلها والتأكد من سلامتها الصحية، عبر اختبارات مخبرية تبحث عن ملوثات مثل الأفلاتوكسين، الأوكراتوكسين A، والزيرالينون، فضلاً عن قياس نسب المعادن والرطوبة والحموضة الدهنية والحديد والبروتين.

كما تشمل المراقبة الميدانية الأسواق ونقاط البيع، من خلال لجان مختلطة تعمل على التأكد من احترام شروط التخزين والعرض وسلامة المنتوج النهائي.

نتائج المراقبة: أرقام تكشف حجم العمل

قدّمت “أونسا” لـ”الصحيفة” حصيلة المراقبة الخاصة بسنتي 2024 و2025:

  • خلال 2024، تم أخذ 710 عينة من المطاحن والأسواق، وحُجز وأُتلف 38 طناً من الدقيق غير المطابق، وأُحيل 89 ملفاً على المصالح المختصة.
  • أما في 2025 (إلى غاية نهاية شتنبر)، فقد تم أخذ 577 عينة، وحجز وإتلاف 33 طناً، مع إحالة 60 ملفاً على الجهات المعنية، وسحب 9 تراخيص صحية وتعليق 4 تخص مطاحن لم تحترم المعايير.

منظومة رقابة شاملة

تؤكد “أونسا” أن منظومة المراقبة الصحية للدقيق في المغرب تقوم على أربعة محاور مترابطة:

  1. الترخيص الصحي الصارم.
  2. المراقبة الميدانية المنتظمة.
  3. التحاليل المخبرية الدقيقة.
  4. التدخل القانوني الفوري عند أي خرق.

وبحسب المكتب، فإن كل مخالفة يتم ضبطها تقابلها إجراءات قانونية حازمة، تشمل الحجز والإتلاف وسحب الترخيص، ضماناً لسلامة المنتوج الموجه للمستهلك المغربي.

غضب المهنيين وردّ الفعل

الجدل الذي تفجّر من قبة البرلمان أثار موجة استياء في صفوف مهنيي قطاع المطاحن، الذين اعتبروا أن العبارة المسيئة “تضرب في العمق سمعة مئات الوحدات الإنتاجية” الخاضعة أصلاً لرقابة مشددة من طرف “أونسا” والسلطات المحلية.

كما دخلت الفيدرالية الوطنية للمطاحن على الخط، مطالبة بفتح تحقيق رسمي لتبيان الحقائق، وموضحة أن “الخلط بين المجاز والحقيقة في قضايا حساسة كهذه قد يزرع الشك في نفوس المواطنين ويقوّض الثقة في منتوج وطني أساسي”.

التويزي يوضّح: “طحن الورق” مجرد مجاز

بعد اشتداد الجدل، خرج أحمد التويزي لتوضيح مقصده قائلاً إن عبارة “طحن الورق بالدقيق” لا تعني خلط الورق فعلياً بالدقيق، بل هي “تعبير مجازي متداول في اللهجة المغربية يُقصد به التلاعب في الوثائق أو الفواتير”، في إشارة إلى شبهات الفساد الإداري أو التلاعب في الدعم المالي الموجه للمطاحن.

بين الحقيقة والمجاز… المواطن هو المعني الأول

ورغم محاولات التهدئة، يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت هذه الحادثة ستدفع نحو تعزيز آليات الشفافية والمراقبة في قطاع حساس مثل الدقيق، الذي يشكّل أحد المنتجات الأساسية على مائدة كل مغربي.
في المقابل، أظهر رد “أونسا” أن منظومة الرقابة الصحية قائمة وفعالة، لكنها تحتاج إلى تواصل أوضح مع الرأي العام لتفادي الالتباس بين النقد السياسي والإشاعات الغذائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى