كتاب وآراء

مدارس الريادة بين طموح الإصلاح وواقع الارتجال.

بقلم: ذ. شكيب الخاي

عضو المجلس الوطني للتضامن الجامعي المغربي.
حين أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن مشروع “مدارس الريادة”، تم تقديمه كأحد أبرز أوراش إصلاح التعليم، ورؤية جديدة تروم إرساء نموذج مدرسي عمومي ناجع، يواكب التحولات المجتمعية ويستجيب لرهانات الجودة. لكن المتابعة الميدانية لتفاصيل هذا المشروع تكشف عن اختلالات عميقة في التخطيط والتنزيل، تجعله أقرب إلى تجربة مرتجلة من كونه إصلاحا ممنهجا.

فأولى الملاحظات التي تسجل على المشروع، غياب خطة واضحة ومعلنة تحدد الأهداف، المراحل، وآليات التقييم. وبدل اعتماد تجريب مضبوط داخل عينة ممثلة تؤطر بمعايير موضوعية، تم التوسع في التنزيل دون استخلاص الدروس من المرحلة الأولى، مما أفرغ التجربة من بعدها العلمي والتربوي، وخلق تفاوتا في الممارسات والمنهجيات بين المؤسسات.
وقد أثار أسلوب اختيار المدارس المنخرطة في المشروع الكثير من علامات الاستفهام، إذ جرى الأمر كما لو أنه طلب انخراط طوعي، في تجاهل تام لضرورات الإنصاف التربوي والعدالة المجالية، ولقواعد التمثيلية التي يفترض أن توجه أي تجربة وطنية قابلة للتعميم.

وما يزيد الوضع تعقيدا، أن هذا المشروع جاء في سياق يشهد مراجعة شاملة للمنهاج الدراسي الوطني، تحت إشراف اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج والتكوينات. الأمر الذي يطرح إشكالات حقيقية حول مدى انسجام السياسات الإصلاحية وتكاملها. فكيف يعقل أن ينزل نموذج تربوي جديد داخل مؤسسات بعينها في الوقت الذي ما تزال المرجعيات البيداغوجية نفسها قيد الإعداد؟

ورغم الترويج الإعلامي للمشروع باعتباره إصلاحا جوهريا، فإن الانطباع السائد داخل المؤسسات المعنية لا يدعو إلى الاطمئنان. فقد وضعت الأطر التربوية والإدارية أمام رهانات جديدة، دون توفير التكوين المناسب أو الوسائل الضرورية للمواكبة، مما أدى إلى تفاوت في مستوى التنزيل، وزرع الإحساس بأن المشروع يفرض من فوق، بدل أن يبنى بالشراكة مع الفاعلين الميدانيين.
تقييم المرحلة التجريبية، الذي يباشره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، خطوة محمودة، خصوصا في ظل تنبيهه إلى أن هذا المشروع قد يكرس الفوارق بين المؤسسات بدل تقليصها، مما يحتم مراجعة شاملة للآليات المعتمدة، ضمانا لتكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ، وتحقيقا للعدالة التربوية المنشودة.

إن مشروعا بهذه الحساسية لا ينجز بالإرادة وحدها، ولا بالشعارات البراقة، بل يقتضي تخطيطا دقيقا، وحوارا وطنيا واسعا، وتقييما مستمرا، يراعي ملاحظات الفاعلين التربويين، ويستند إلى المعطيات الموضوعية. الإصلاح الحقيقي ينبني على المشاركة، لا على التسويق. وعلى العلم، لا على التجريب الفوضوي.
إن الفاعلين في الحقل التربوي، لا يعارضون الإصلاح، بل يراهنون عليه، لكنهم يطمحون لأن يكون إصلاحا جادا، منفتحا، وتشاركيا، يضع مصلحة المتعلم في قلب أولوياته، ويمنح الثقة للمربي باعتباره حجر الزاوية في أي تحول تعليمي مأمول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى