كيف سنعيد الثقة لشبابنا ؟

إبراهيم بلهرادي
كيف يمكن أن نقنع الشباب اليوم بدخول السياسة ونحن أنفسنا عدنا منها مثقلين بأسئلة لم نجد لها جواباً؟ كيف نطلب منهم أن يؤمنوا بمسار جرّبناه قبلهم ووجدنا فيه تياراً جارفاً تتقاطع داخله المصالح والتنازلات والولاءات الصغيرة، بينما المبادئ تتراجع خطوة بعد خطوة؟ لقد بدأنا نحن أيضاً بحلم شبيه بحلمهم، باندفاع صادق، برغبة في الإصلاح، ثم اكتشفنا أن الطريق ليست بهذه البساطة وأن الواقع أوسع من الشعارات التي كبرت معنا.
أكتب وأنا صحفي أؤمن أن دوري ليس فقط نقل الخبر، بل حماية تلك الشرارة الصغيرة داخل الجيل الجديد، الشرارة التي بدأت تخفت. أشعر أحياناً أنني ممزق بين رغبة صادقة في دعم الشباب وبين خوف حقيقي من أن أبدو منافقاً أمامهم. كيف أقول لهم “ادخلوا السياسة” وأنا أعلم أن معظمهم سيجد نفسه بين خيارين صعبين: إما الانخراط في لعبة تُفرض عليهم بشروط قد لا تشبههم، أو البقاء على الهامش بلا صوت؟ هل أبيعهم حلماً قد لا يتحقق؟ أم أضع الحقيقة أمامهم عارية، مهما كانت مؤلمة؟
جاء المجلس الوزاري الأخير ليطرح تحولاً لافتاً، حين دعا جلالة الملك إلى تمكين الشباب دون سن 35 من الانخراط السياسي المستقل دون الحاجة إلى الانتماء الحزبي التقليدي، ودعم مشاركتهم مالياً بما قد يصل إلى 75٪. إنها لحظة غير مسبوقة، تفتح الباب أمام تصور جديد للعمل السياسي خارج القوالب القديمة. ثم جاء البرلمان ليضيف شرطاً آخر: الحصول على 5 في المئة من أصوات الناخبين المسجلين للاستفادة من هذا الدعم. وهنا تظهر صعوبة المعادلة، لأن بلوغ هذه العتبة بالنسبة لشباب يدخلون المجال في تجربة أولى ليس أمراً بسيطاً ولا مضموناً.
وحتى إن فُتح الباب قانونياً، تبقى الأسئلة معلّقة: إذا كان جلالة الملك يشجع الشباب على دخول السياسة، فهل سيُفسح المجال فعلياً لمن يأتون بلا انتماء حزبي وبلا تاريخ انتخابي سابق؟ ماذا عن الذين يسيطرون على الميدان السياسي منذ سنوات طويلة؟ هل سيتقبلون منافسة جيل جديد يدخل بصفاء الفكرة ونقاء الحلم؟ كيف لشاب خرج لتوّه من الجامعة، مسلحاً بالأمل والصدق، أن يواجه سلطة المال وشبكات النفوذ التي تتقن اللعبة وتعرف كيف تُصنع الخرائط الانتخابية؟ هل يمكن للبساطة أن تهزم الدهاء؟ وهل تكفي الشفافية لمواجهة أساليب شراء الولاءات واستمالة الأصوات في الخفاء؟
ومع كل هذا التشكيك المشروع، لا يمكن أن نرفع الراية مبكراً. لأن الخطر الحقيقي ليس في صعوبة دخول الشباب إلى السياسة، بل في غيابهم عنها. إن تركنا الساحة فارغة ستعاد إنتاج الأخطاء نفسها بالوجوه نفسها والعقليات ذاتها. ربما لم ننجح نحن كما أردنا، وربما اصطدمنا بما لم نكن نتصوره، لكن الجيل الذي يأتي بعدنا قد يفعل ما عجزنا عنه إذا دخل وهو يعرف المعركة بكامل تفاصيلها. ليس بدافع الوهم، بل بدافع الوعي.
نحن لا نمنح الشباب ورداً بلا أشواك، ولا نرسم لهم طريقاً خالياً من الحفر. نحن فقط نقول لهم الحقيقة كاملة: السياسة صعبة، مليئة بالخصوم والمصالح، لكنها لا تتغير بالانسحاب منها. التغيير يبدأ عندما يقرر الذين يخشون الفساد أن يقفوا في وجهه، وعندما يقرر الذين تعبوا من التمثيليات القديمة أن يكتبوا فصلاً جديداً بالفعل لا بالشعار. ربما يكون هذا الجيل هو جيل التحول. كل ما يحتاجه هو أن يسمع الحقيقة أولاً… ثم يختار هو إن كان الطريق يستحق أن يُخاض.







