بعد انتظار 10 سنوات… هل ينقذ المرسوم الجديد سواحلنا من الكارثة؟

محسن الشاب _ باحث في القانون العام ومهتم بقضايا البيئة
منذ اعتماد القانون رقم 81.12 المتعلق بالساحل سنة 2012، ظل واحد من أهم نصوصه التطبيقية غائبا عن المشهد: المرسوم المتعلق بصب المقذوفات السائلة في الساحل، 10 سنوات من الانتظار كانت كافية لتتحول مواد القانون إلى إطار بلا أدوات، بينما ظل الصب الصناعي والتجاري والسياحي مستمرا بلا ضوابط فعالة من شأنها حماية البيئة البحرية.
يبدو أن هذا الفراغ يقترب من نهايته مع تقديم وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة مؤخرا مشروع المرسوم رقم 2.25.280، الذي أثار نقاشا واسعا بالنظر إلى أهميته في ضبط أحد أخطر مصادر التلوث الساحلي.
تفاصيل تقنية أكثر نضجا… ولو بعد حين
المشروع الجديد يتميز، مقارنة بالنصوص السابقة، بصياغة قانونية متقدمة ورؤية أكثر شمولية. فقد قدم جدولا مفصلا يحدد الحدود القصوى العامة للمواد والمعادن الملوثة -المحتمل والشائع صبها في الساحل-منصوصا عليها بدقة تقنية كانت غائبة تماما في المنظومة السابقة. كما وضع آلية لإقرار الحدود القصوى الخاصة، عبر قرار مشترك تصدره وزارات متعددة، من التنمية المستدامة إلى التجهيز والداخلية والصناعة والصيد البحري، وباستشارة مؤسسات البحث العلمي، هذا التوجه يعكس إرادة لإدماج المعرفة العلمية في القرار العمومي، وهو تحول طال انتظاره في التشريع البيئي المغربي.
أسند المشروع أيضا طريقة احتساب إتاوة الصب إلى قرار مشترك بين وزارتي التنمية المستدامة والداخلية ووزارة المالية، وفق القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، بما يجعل مبدأ “الملوّث يؤدي” جزءا مهيكِلا من المنظومة الجديدة. كما حدد بدقة طرق إعداد الترخيص ومدته (خمس سنوات قابلة للتجديد)، وشروطه، والمعطيات التي يجب أن يشتمل عليها من طبيعة المقذوفات وحجمها إلى التدابير الوقائية الواجب اتخاذها.
مرحلة انتقالية… لمحاولة ضبط الفوضى القديمة
نص المشروع كذلك على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لتسوية الوضعيات القائمة. هذه المهلة تبدو معقولة وكافية كما أنها ضرورية للسماح للمؤسسات المعنية بتكييف منشآتها وأنظمتها مع المقتضيات التشرعية الجديدة.
مع ذلك… ثغرات لا يمكن تجاهلها
رغم أن مشروع المرسوم شكل خطوة نوعية من حيث التفاصيل والتدقيق، إلا أنه يظل مفتوحا على مجموعة من الملاحظات الجوهرية:
- غياب آجال ملزِمة لإصدار القرارات التطبيقية
يعتمد المرسوم على عدة قرارات تنظيمية—من بينها القرار المتعلق بالحدود القصوى الخاصة—لكنه لم يحدد أي أجل أقصى لإصدار هذه القرارات. وهذا الغياب قد يعيد إنتاج نفس الإشكال الذي عطل القانون 10 سنوات كاملة، خاصة أن التجربة التشريعية المغربية تظهر أن النصوص التي لا ترفق بآجال تبقى غالبا معلقة في رفوف الإدارة.
- عدم تحديد نوع الأنشطة المشمولة بالحدود الخاصة
لم يحدد المشروع القطاعات التي ستخضع لحدود قصوى خاصة ، دون وضع إطار عام موجه. وهو ما قد يخلق تفاوتا وارتباكا في التطبيق، بالنظر إلى اختلاف طبيعة المقذوفات بين الصناعات الثقيلة، والصناعات الغذائية، والقطاع السياحي، واستغلال الموانئ، وغيرها.
- أسئلة حول فعالية الإتاوة كآلية للردع
رغم أهميتها، يظل النقاش مفتوحا حول ما إذا كانت الإتاوة ستسهم فعلا في خفض التلوث، أم ستتحول إلى مجرد مورد مالي إضافي يسمح باستمرار بعض الأنشطة الملوثة مقابل أداء مالي.
هل نحن أمام نقطة تحول؟
لا شك أن مشروع المرسوم يشكل خطوة متقدمة نحو تنظيم قطاع ظل لسنوات يعيش في منطقة رمادية. وللمرة الأولى، يقترب المغرب من وضع إطار قانوني متكامل يربط بين العلم، والرقابة الإدارية، ونظام الإتاوة، وتحديد الحدود القصوى للملوثات.
لكن السؤال الجوهري يبقى مفتوحًا:
هل سيُستكمل هذا المرسوم بقرارات تنظيمية واضحة، وآجال محددة، وإرادة فعلية للتطبيق على الأرض؟







