آسفي .. هل تقترب المدينة من نقطة اللاعودة البيئية؟ ( مقال رأي )

محمد الفاتحي – باحث في القانون العام ومهتم بالقضايا البيئية
في وقت يتصاعد فيه القلق الدولي بشأن مستقبل المناخ، يبدو أن مدينة آسفي تُجسّد نموذجاً محلياً واضحاً للتدهور البيئي الذي يشهده العالم. فهذه المدينة الساحلية، التي تجمع بين النشاط الصناعي الثقيل والحضور السكاني المتزايد، باتت تواجه تحديات بيئية متراكمة تهدد صحة السكان وتوازنها الإيكولوجي، وسط تحذيرات علمية متزايدة من الوصول إلى مرحلة يصعب إصلاحها.
تلوث صناعي يتجاوز الحدود المسموح بها
تشير دراسات بيئية حديثة إلى وجود تراكم مقلق للمعادن الثقيلة في تربة ونباتات مناطق صناعية بآسفي، خاصة بالقرب من بعض الوحدات الصناعية المتمركزة حول الساحل. هذه النتائج تُظهر أن مستويات الرصاص والكروم والكادميوم تتجاوز الحدود البيئية الآمنة، ما ينذر بمخاطر صحية قد تمتد إلى الساكنة عبر السلسلة الغذائية.
ويؤكد عدد من الفاعلين الجمعويين أن الروائح المنبعثة من بعض المصانع، إلى جانب الانبعاثات الغازية غير المعالجة بشكل كافٍ، تجعل من بعض الأحياء فضاءات خانقة، خصوصاً خلال الفترات التي تنشط فيها الرياح الشمالية.
أزمة نفايات خانقة وسواحل تختنق بالبلاستيك
رغم موقع آسفي البحري وواجهتها الأطلسية الممتدة، فإن شواطئها تعاني من تراكم النفايات، خاصة خلال فصل الصيف. كما تشهد المدينة في عدد من أحيائها تراكماً واضحاً للقمامة بسبب ضعف منظومة الجمع والتدبير، وهو ما يحول مناطق سكنية كاملة إلى نقاط سوداء بيئياً وصحياً.
وتتجه أصابع الاتهام إلى ضعف البنية التحتية الخاصة بفرز النفايات وإعادة تدويرها، إضافة إلى غياب ثقافة بيئية لدى شريحة من السكان، ما يجعل عملية إدارة المخلفات معركة يومية في المدينة.
تلوث الهواء تهديد صامت لصحة السكان
تعتبر آسفي من بين المدن المغربية التي تواجه ضغوطاً قوية فيما يتعلق بجودة الهواء، نتيجة وجود صناعات تعتمد على الفحم وإنتاج الإسمنت، إلى جانب حركة النقل الكثيفة. هذا التلوث قد يرتبط بارتفاع في حالات أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن، وفق تحذيرات مختصين في الصحة العامة.
المحيط البحري كنز مهدد بالاندثار
يعتمد جزء مهم من اقتصاد آسفي على الصيد البحري، غير أن التلوث الصناعي والنفايات البلاستيكية بات يشكلان خطراً مباشراً على الثروة البحرية. وقد سجلت دراسات ميدانية مؤشرات على تغيّرات في التوازن الإيكولوجي بسواحل المدينة، من شأنها التأثير على المخزون السمكي وعلى مستقبل عشرات العائلات التي تعيش من هذا القطاع.
هل تقترب آسفي من نقطة اللاعودة؟
تتجمع كل هذه العوامل لتضع المدينة أمام مرحلة حرجة. فإذا استمرت الانبعاثات الملوثة، وضعف تدبير النفايات، وتدهور الشواطئ، وتراجع جودة الهواء والماء، فإن آسفي قد تدخل مرحلة يصعب التراجع عنها، حيث يصبح ترميم البيئة مكلفاً ومعقداً، وأحياناً مستحيلاً.
حلول ممكنة… وإرادة مطلوبة
رغم الصورة القاتمة، فإن الحلول واقعية ومتاحة، ومن أبرزها:
التحول التدريجي نحو الطاقات المتجددة في الصناعات الكبرى.
دعم برامج التشجير داخل المدينة ومحيطها.
اعتماد منظومة فعالة لفرز النفايات وإعادة تدويرها.
اتخاد قرارات بيئية صارمة تفرض على المصانع معالجة انبعاثاتها ومخلفاتها.
تعزيز النقل العمومي للحد من ازدحام السيارات وتلوث الهواء.
إطلاق حملات توعية ومبادرات مجتمعية لغرس ثقافة بيئية جديدة.
آسفي اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تتحرك بسرعة لاستعادة توازنها البيئي وتحسين جودة حياة سكانها، أو تترك الوضع يتفاقم حتى تصبح المدينة نموذجاً محلياً آخر لمناطق عبر العالم وصلت إلى نقطة بات الرجوع عنها صعبا،فالبيئة ليست ترفاً، بل هي أساس صحة الإنسان وأمنه ومستقبله.






