بين مطالب الشارع وحدود الدستور .. هل يمكن حل الحكومة ؟

تشهد الساحة المغربية منذ أسابيع حراكاً شبابياً واسعاً، عبر احتجاجات رفعت شعارات اجتماعية قوية تطالب بتحسين الخدمات العمومية في التعليم والصحة، وتوفير فرص الشغل، والحد من الفوارق المجالية. غير أن اللافت في هذه الموجة الجديدة من التعبئة هو بروز مطلب سياسي مباشر يتمثل في “حل الحكومة”، باعتباره تعبيراً عن فقدان الثقة في الأداء الحالي وعجزه عن الاستجابة لانتظارات المواطنين. لكن هذا المطلب، على أهميته الرمزية والسياسية، يطرح إشكالاً قانونياً ودستورياً ، إذ لا يجد له سنداً مباشراً في النصوص المؤطرة لنظام الحكم بالمغرب.
فالدستور المغربي لسنة 2011 حدد بدقة طرق تعيين الحكومة وإنهاء ولايتها. فاختيار رئيس الحكومة مرتبط بنتائج الانتخابات التشريعية، فيما يبقى البرلمان الجهة الوحيدة القادرة على إسقاطها عبر ملتمس الرقابة، أو عبر الاستقالة الطوعية لرئيس الحكومة نفسه. أما الملك، فرغم صلاحياته الواسعة، فلا يملك وفق الدستور إمكانية حل الحكومة بشكل مباشر، بل يملك حق حل البرلمان، وهو إجراء يؤدي إلى انتخابات جديدة قد تُفضي بدورها إلى تشكيل حكومة أخرى. معنى ذلك أن مطلب الشارع بحل الحكومة لا ينسجم حرفياً مع مقتضيات الدستور، ولا يمكن تحقيقه خارج هذه الآليات المؤسسية.
لكن الاستحالة الدستورية لا تعني غياب البدائل السياسية. ففي إطار احترام النصوص، يمكن إحداث تغييرات جوهرية قادرة على تلبية جوهر مطلب التغيير الذي يرفعه الشباب. من أبرز هذه البدائل إجراء تعديل وزاري واسع يعيد الثقة عبر إدخال كفاءات جديدة ويستبعد الأسماء التي فقدت مصداقيتها، أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم وجوهاً من المعارضة والمجتمع المدني بما يعكس توافقاً أوسع على الأولويات الوطنية. كما يمكن للحكومة القائمة أن تلتزم بتعاقد اجتماعي جديد يحدد أهدافاً واضحة في التعليم والصحة والتشغيل، بآجال مضبوطة وميزانيات محددة، على أن يتم إشراك ممثلين عن الشباب والمجتمع المدني في متابعته. وحتى في حال اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها، فإن هذا الخيار لن يحقق غايته ما لم يقترن بإصلاحات سياسية تفتح المجال أمام مشاركة فعلية للشباب وتعزز ثقتهم بالعمل الحزبي والمؤسساتي.
إن جوهر النقاش اليوم لا يكمن في الصدام بين الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية، بل في البحث عن صيغة للتوفيق بينهما. فاحترام قواعد الدستور يضمن استمرارية الدولة واستقرار مؤسساتها، بينما التجاوب مع المطالب الشعبية يضمن بقاء هذه المؤسسات في موقع القبول والثقة. ولعل السبيل الأمثل لتحقيق هذا التوازن يتمثل في تجديد الدماء داخل الحكومة وإعادة ترتيب أولوياتها بما يجعل القطاعات الاجتماعية في صدارة الاهتمام، مع فتح قنوات جدية لمشاركة الشباب في صنع القرار.
في المحصلة، فإن مطلب “حل الحكومة” يعبر في العمق عن أزمة ثقة أكثر مما يعبر عن مسار دستوري محدد. وهو صرخة اجتماعية ينبغي التعامل معها بجدية كإشارة إلى الحاجة لإصلاح سياسي عميق، لا كدعوة إلى فراغ مؤسساتي. الاستجابة الذكية تقتضي تحويل هذا الغضب إلى فرصة لبناء عقد اجتماعي جديد يربط الدولة بمواطنيها، ويؤسس لمرحلة أكثر عدلاً وشفافية وتوازناً في السياسات العمومية.